منذ 7 سنة | 3910 مشاهدات
هذه الوريقات
إن قراءة واحدة للقرآن الكريم، بقدر معقول من التدبر، مع الاستعانة بواحد من التفاسير المبسطة (تفسير محمد فريد وجدي مثلا)، ستكفي ليدرك القارئ بسرعة أن هذا الكتاب يتدخل بأوامره ونواهيه في كل جوانب الحياة، بمعنى آخر: يفرض الإسلام على معتنقيه الإلتزام بالعديد من المبادئ والقواعد والأحكام في تنظيم حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية جنبا إلى جنب مع ما يفرضه من الإيمان ببعض العقائد والقيام ببعض العبادات والالتزام بنسق معين من القيم الأخلاقية .. هذا مدخل سهل ومباشر للتأكيد على حتمية الحل الإسلامي في أي مجتمع مسلم، لكن المشكلة مع هذا المدخل هي أنه في الغالب لا يقنع إلا من كان مقتنعا بالفعل، فغير المتدينين – وغير المسلمين بالطبع – سيرون فيه محاولة من المتدينين لفرض فكرهم الخاص على المجتمع كله بغير حق، أما صنف المتدينين الذين يرون أن أداء العبادات هو وحده مراد الله من بعث الأنبياء وإنزال الكتب فسيصدقون ما دأب الإعلام على ترديده لعقود طويلة من أن شعار "الإسلام هو الحل" ليس إلا شعارا كاذبا يغطي به "المتأسلمون" المجرمون أهدافهم السياسية الظلامية المغرضة (دون أن يتفضل علينا أحد بكشف هذه الأهداف الظلامية المغرضة)، لذلك فإننا لن ندخل من هذا المدخل في هذه الوريقات.
تزخر المكتبة الإسلامية بالعديد من الكتابات التي تشرح لماذا نؤمن بصلاحية الإسلام وقدرته على بناء نهضتنا الحديثة، والكثير منها يؤكد أن الإسلام هو الأقدر من غيره على القيام بهذه المهمة، أما الوريقات التي نعرضها هنا فتهدف إلى دفع الفكرة إلى نقطة أبعد .. إنها تريد، على أسس علمية ومنهجية، لا تحاول إيقاظ المشاعر الوجدانية للمتدينين ولا الإستعانة بسلطة النصوص المقدسة للمسلمين، وتعتمد على إستقراء كل تجارب النهضة والتحديث الناجحة خارج منظومة الثقافة الغربية، البرهنة على أن الإسلام ليس فقط هو الأقدر، بل هو وحده القادر .. لا بديل عن الإرتكاز على المرجعية الإسلامية في بناء النهضة وتحقيق التنمية في بلادنا، فكل المداخل الأخرى، من ليبرالية واشتراكية وتنويعاتهما، محكوم عليها بالفشل عندنا لأسباب عملية موضوعية لا علاقة لها برفضنا العقائدي للفلسفات التي أنتجتها.
قليل من هذه الوريقات هو مجرد تنقيح لمقالات – أو أجزاء من مقالات - سبق أن نشرت في جريدة الشعب، لكن أغلبها جاء في سياق إمعان النظر في دراسة أسباب فشل تجربة الإخوان، أو ما نلمسه من فشل ذريع باءت به السياسات التي انتهجتها، وما زالت، حكومات ما بعد الإنقلاب على الرئيس مرسي، برغم كل ما تلقته من دعم، وبرغم ما نعرفه من حرص قوى دولية كبرى على نجاحها واستقراراها.
وما زالت لدينا بعض الأفكار والملاحظات التي لم تنضج بعد، وأرجو أن يتيح لنا المولى عز وجل القدرة على بلورتها وإضافتها إلى هذه السلسلة في وقت قريب.
يطمح المرء دائما للكمال، لكن محدودية العلم والخبرات يقعد بنا دائما عن بلوغ ما نطمح إليه، ومع ذلك فمن المؤكد أن ملاحظات القراء ونقدهم لما أطرحه سيمكنني بتوفيق الله من تطوير هذه الأفكار ودفعها إلى مستوى أعلى مما تتيحه لي إمكاناتي الذاتية، ولله الفضل والمنة من قبل ومن بعد.