منذ 2 شهور | 1271 مشاهدات
بموجب إتفاقية أوسلو المشئومة قبلت منظمة التحرير أن تكون الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك حدود الأرض، موضوعا للتفاوض، لم يعد البحث يدور حول طريقة إسترداد الفلسطينيين لحقوقهم، بل أصبح عليهم أن يتفاوضوا أولا حول ماهية هذه الحقوق، فتم بذلك تكبيل أيدي مؤيدي الحق الفلسطيني إنتظارا لما تسفر عنه هذه المفاوضات .. قرار الأمم المتحدة الأخير صحح الوضع وذكر بأن حقوق الفلسطينيين وحدود أرضهم معروفة ومقرره بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة .. يعد إقرار هذا المبدأ أهم ما في القرار، وباقي بنوده ليست إلا تطبيقه العملي.
بدأ الأمر عندما طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ حوالي عامين فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن التكييف القانوني للحقوق الفلسطينية، فأصدرت المحكمة فتواها في 19 يوليو 2024 متضمنة النقاط التالية:
إن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وهي ملزمة بإنهاء هذا الوجود بأسرع ما يمكن، وضرورة الوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينية المحتلة، مع جبر الضرر اللاحق بجميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المعنيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وأن جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود غير القانوني، وأن المنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن هذا الوجود، وعلى الأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة، التي طلبت الفتوى، ومجلس الأمن، النظر في سبل وإجراءات إنهاء وجود إسرائيل غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع ما يمكن.
لم تلق هذه الفتوى الإهتمام الذي تستحقه من إعلام المقاومة، ففتاوى محكمة العدل الدولية هي مجرد رأي إستشاري، لكن الجمعية العامة تبنت الفتوى وأصدرت يوم 18 سبتمبر 2024 قرارها الذي صوت لصالحه 124 عضوا، وعارضه 14 فيما امتنع 43 عن التصويت، وبهذه الأغلبية التي تجاوزت الثلثين أصبح القرار ملزما، ويتضمن ما يلي:
أن تنهي إسرائيل- دون إبطاء- وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة في غضون مدة أقصاها 12 شهرا من تاريخ "اتخاذ القرار"، وأن تمتثل إسرائيل دون إبطاء لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي، على النحو الذي تنص عليه مـحكمة العدل الدولية، وبأن تقوم إسرائيل بجملة أمور منها:
عديدة هي قرارات الأمم المتحدة السابقة التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، لكن الطوفان غير من المناخ الدولي، فتجلى هذا الزخم الشعبي الواسع، وأعلنت كثير من الدول، خاصة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، رغبتها في القيام بعمل إيجابي لنصرة الشعب الفلسطيني، وهذا القرار يوفر لهم أرضية قانونية جيدة لنقل القضية إلى مرحلة أكثر تقدما.
لقد أزال القرار الكثير من التشوش الناتج عن طول الأمد والدعاية الصهيونية وإنهزامية السلطة الفلسطينية، وأصبحت المقاومة ومؤيدوها في غير حاجة للدفاع عن موقفهم، فما يقومون به هو تنفيذ للقرار الأممي .. لدينا على هذا القرار العديد من الملاحظات الإيجابية والسلبية التي لا يتسع لها هذا المقال، وسنعرض هنا فقط لبعض الملاحظات ذات الطابع العملي السريع، مع التأكيد على أن أهم ما في القرار والفتوى ستظهر قيمته في المراحل القادمة التي سنناقشها لاحقا.
لم يعد من حق أحد أن يصف منظمات المقاومة بالتخريب أو الإرهاب، فها هي الأمم المتحدة تعلن أنها تقاتل جيشا محتلا يجب أن يرحل، ووجود المستوطنين في الضفة والقطاع والقدس الشرقية هو وجود غير قانوني، وإعتقالهم من قبل الفلسطينيين لا يعد إختطافا، ولم تعد الدول المؤيدة في حاجة للكثير من الشجاعة كي تتخذ إجراءات لدعم المقاومة ومغاقبة الإحتلال، ولا تثريب عليها إن سمحت بفتح مقرات علنية للمنظمات الفلسطينية، ويمكنها أن تترك للناشطين حرية العمل في جمع التبرعات وإقامة الندوات وتوزيع المطبوعات، وربما سمح بعضها للمقاومة بإطلاق قنوات فضائية من على أرضها، كما يمكن لهذه الدول التنديد العلني بالإجراءات التي تتخذها دول أخرى – ألمانيا مثلا – للتضيق على مؤيدي المقاومة وتجريم فاعلياتهم .. لا تستهن بهذه الأمور التي يمكن أن تبدأ فورا.
سيقدم السكرتر العام للأمم المتحدة كل ثلاثة أشهر تقريره الذي سينتهي ولا شك إلى أن إسرائيل لم تفعل شيئا لتنفيذ القرار، وربما يحتوي على سرد للمارسات الإسرائيلية التي تخرقه، وستكون هذه مناسبة لكل الدول التي صوتت لصالح القرار أن تندد بإسرائيل وتعيد مطالبتها بتنفيذه، وفي نهاية العام عندما يقول التقرير النهائي أن إسرائيل لم تسحب جيشها ولا مستوطنيها من الأرض المحتلة سيكون من الطبيعي أن تتخذ الجمعية العامة قرارات بتوقيع عقوبات مختلفة، نحن بالطبع لا نتوقع أن يصل الأمر لإستخدام البند السابع الذي يسمح بإرسال قوات دولية لتنفيذ القرار بالقوة، لكن الأرجح أنه سيتم توقيع عقوبات على إسرائيل تضعها في المكان الذي كانت فيه جنوب إفريقيا العنصرية.
أنت تعرف طبعا أن القرارات الأممية ليست هي التي ستحرر فلسطين، لكنها ستوفر للمقاومة بيئة دولية أفضل، وستعطي للدول الراغبة في تقديم دعم حقيقي سندا قانونيا لما تفعل، وأنت تعرف أيضا أن ما إشتمل عليه هذا القرار ليس هو نهاية المطاف، فما زالت الشرعية الدولية تعطينا حقوقا أخرى تجاهلها القرار، حقوق إذا أحسنا التعامل معها ستصل بنا بإذن الله إلى فلسطين الحرة المستقلة الموحدة من النهر إلى البحر (سنستمر في شرح عناصر الإستراتيجية التي نقترحها في مقالات أخرى)، لكننا نرى أن أي دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، مهما كانت حدودها، ستكون في وضع أفضل وهي تواصل المطالبة بالحقوق التي يقررها القانون الدولي، وإذا نضجت الظروف وإمتلكت دولة فلسطين الحرة القوة الكافية فسيمكنها إنتزاع حقوقها ولو بالقوة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.