مرسي وأردوجان وانقلابات العسكر

منذ 6 سنة | 1162 مشاهدات

     بعد فشل الانقلاب في تركيا اندلعت على صفحات التواصل الاجتماعي مناقشات حادة، وصلت في حدتها أحيانا إلى درجة أفحش مما يجوز، وانقسم المتحاورون إلى فريقين استخدم كل منهما وقائع فشل الانقلاب ليصل إلى نتيجة هي عكس ما وصل إليه الآخر، أحدهما يستخلص من الوقائع أن الانقلابات العسكرية يمكن إفشالها إذا اتسمت القيادة بالحكمة والذكاء وأعدت العدة لمواجهة إحتمال الانقلاب عليها ثم أدارت الموقف إدارة جيدة، ليصلوا من ذلك إلى أن الرئيس مرسي - حفظه الله وفك أسره - يتحمل الجانب الأكبر من المسئولية عما حدث في يوليو 2013، بينما يرى الفريق الآخر أن الانقلاب التركي قد فشل لأن الرئيس أردوجان كان لديه الوقت الكافي ليكسب قطاع كبير من الجيش إلى جانبه، وليعيد هيكلة جهاز الشرطة كي يكون مواليا للشرعية، ولما كان الرئيس مرسي لم يحظ بالوقت الكافي لتحقيق شيء من ذلك، فهو إذن معذور ولا يتحمل أية مسئولية.

          ستلاحظ طبعا أن كلا الفريقين قد تجاهل الفروق الجوهرية بين الوضع التركي والوضع المصري في خلفياته التاريخية وفي طبيعة النظام، وكأن الجيش التركي هو الجيش المصري والنظام التركي هو النظام المصري .. ليس الأمر كذلك.

          هؤلاء الذين حملوا الرئيس مرسي كامل المسئولية عن فشل التجربة الديمقراطية المصرية تناسوا موقف قوى المعارضة التركية التي رفضت كلها الانقلاب وأدانته واعتبرته عملا إجراميا، بينما شارك بعض من أهم رموز المعارضة المصرية في التحضير للإنقلاب، وأيده كل معارضي مرسي تقريبا ودعموه .. هؤلاء لابد أن يتحملوا نصيبهم من المسئولية عما آلت إليه الأوضاع في مصر.

          أما هؤلاء الذين حاولوا تبرئة ساحة الرئيس مرسي تماما من أي مسئولية عن نجاح الانقلاب في مصر فلم يقدموا أي تفسير للعوامل التي أخرت محاولة الانقلاب في تركيا خمسة عشر عاما أتاحت لأردوجان فرصة إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية، خاصة ونحن نعرف أنه حتى عام 2010 كان الدستور التركي يعتبر الجيش هو حامي النظام العالماني، ويعطيه حق التدخل إذا خرجت الحكومة عن الأتاتوركية (كان هذا يعد استخداما لحق دستوري وليس انقلابا)، كيف نجح أردوجان إذن في تحييد الجيش كل هذه المدة حتى تمكن من تغيير الدستور ليغدو تدخل الجيش لتغيير الحكومة الآن عملا غير دستوري يستحق الإدانة؟

          لا نريد الآن أن نقدم تقييما شاملا لأداء الرئيس مرسي وهل قام بكل الممكن أم كان هناك ما يمكن القيام به لكنه أخطأ التقدير أو أساء التصرف .. ونحن نتفهم الدوافع النفسية لهؤلاء الذين يعز عليهم تحميل الرئيس مرسي بأي قدر من المسئولية .. نحن أيضا نتعاطف مع الرئيس مرسي، ولكن التفكير الوضوعي، وهو ضروري لكل من يهمه إصلاح شأن الوطن، يقتضي منا أن نعمل على استخلاص الدروس والعبر مما حدث دون أن يقودنا التعاطف مع الأشخاص أو الجماعات إلى تجاهل حقائق الواقع، وإلا ظللنا نكرر أخطاءنا ونعلق الفشل على شماعة الظروف أو الخصوم.

          لنفرض أن سنة واحدة لم تكن كافية كي يتخذ الرئيس الذي جاءت به الثورة الإجراءات الضرورية لتثبيت أركان النظام الديموقراطي، فمعنى ذلك أن مرسي والإخوان قد ارتكبوا أحد خطأين: إما أنهم أساءوا تقدير الموقف وظنوا أن بإمكانهم القيام بما لا يمكن القيام به، أو أنهم كانوا يقدرون الموقف تقديرا سليما ومع ذلك أقدموا على مغامرة محكوم عليها بالفشل عندما تصدوا للرئاسة .. هذا إذا كانت سنة كاملة لا تكفي حقا، ونحن نرى أنها كانت كافية لاتخاذ ما يكفي من إجراءات لمنع قيام الانقلاب أصلا، أو لإفشاله إذا قام .. هذه قصة أخرى تتطلب استدعاء الكثير من الشهود الذين عاصروا الأحداث، ولا مجال لذلك الآن (راجع تقارير جبهة العدالة والاستقلال في السجون المصرية لتعرف بعضا من التفاصيل).

          لكن الأخطر من ذلك والأهم هو أن هذه الطريقة في التفكير التي تحاول تبرئة مرسي والإخوان من كل مسئولية ستؤدي إلى عواقب وخيمة فيما يتعلق بقدرة الشعب المصري واستعداده لبذل الجهد وتقديم التضحيات لاستعادة الديمقراطية الحقيقية التي تسعى للاستقلال السياسي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية وسيطرة الشعب على مقدراته .. فإذا كان أي رئيس منتخب ديمقراطيا لن يستطيع أن يفعل شيئا إزاء سيطرة قوى التبعية والفساد على مفاصل النظام وأجهزة الدولة، ولن يملك إلا أن يظل قابعا في مكتبه ينتظر قيام الجيش بالاطاحة بالنظام الديمقراطي كله، فإن معنى ذلك هو انعدام كل أمل في التغيير وعدم جدوى أي جهد أو تضحية تبذل في هذا الاتجاه .. نعلم تماما أن المدافعين عن مرسي لا يقصدون ذلك بل يرفضونه تماما، لكن هذا هو ما سيصل إليه كل من يتابع حججهم وطريقتهم في التفكير.

          اللهم فك أسر المأسورين، وفرج كرب المكروبين، واهدنا سبل الرشاد.

شارك المقال