منذ 2 سنة | 2203 مشاهدات
لماذا يفشل الإسلاميون؟ .. هذا سؤال صعب، وعندما سأله جيلنا، الجيل الذي تفتح وعيه الإسلامي في جامعات مصر في سبعينات القرن المنصرم، كانت إجابة الذين سبوقنا هي "إن الإبتلاء هو سنة الدعوات" .. ولا ننكر أنها إجابة لا تخلو من بعض الصحة، فالنجاح لا يتنزل على أصحاب الدعوات الصادقة إلا بعد أن يواجهوا بعض المصاعب ويقدموا من التضحيات ما يبرهن على صحة إيمانهم وإستعدادهم لدفع الثمن من أموالهم وحرياتهم ودمائهم، لكن ماذا سيحدث بعد دفع الثمن؟ وهل الإبتلاء يعني الفشل؟ أم ترى النجاح والفشل مسائل قدرية لا يطلب منا التعرف على عواملهما؟، .. وكيف نفهم إذن الوعد الإلهي بتمكين المؤمنين؟ .. ألا يذكر كتاب الله في أكثر من موضع أن السنن الإلهية تعمل من خلال الأسباب ؟ ألم يعلمنا أن هزائم الصدر الأول كانت ترجع إلى قصور وقع منهم؟ لماذا علينا إذن أن نكتفي بترديد أن "الإبتلاء سنة الدعوات" ولا نحاول البحث عن الأسباب الموضوعية الفشل .. صحيح أنه لا يوجد نجاح بدون تضحيات، لكن صحيح بنفس الدرجة أنه لا يوجد فشل بدون أسباب.
في حدود علمي، ورغم البحث قدر الطاقة، فإن الجيل الذي سبقنا لم يقدم أي تحليل موضوعي لأسباب الإنكسار الكبير الذي عانى منه في خمسينات القرن المنصرم، فقط سمعنا وقرأنا عن فظاعات القمع والتعذيب والسجون والمشانق التي نصبها لهم الديكتاتور، ونسأل الله العلي القدير أن يجزل لهم المثوبة على ما تحملوه، وألا يفلت الجناة من العقاب .. لكن ماذا عن الدروس المستفادة؟ .. هل هناك ما يمكن عمله لتجنب هذه النتيجة مرة أخرى؟ .. قالوا لنا أنه حتى الأنبياء، صلوات ربي عليهم أجمعين، لم يكتب لبعضهم النجاح، فما بالك بالبشر العاديين .. وهو مثال شديد الإرباك، فمن الممكن أن نفهم أن نبيا كريما رفضه قومه ولم يقبلوا دعوته لن يتمكن من إقامة شريعة الله فيهم، فهي نعمة لا يستحقونها، لكن شعوبنا لم ترفض الإسلام، فما سمعناه هو أن الشعب المصري في الخمسينات كان في غالبيته تؤيد الحل الإسلامي، وما عشناه ورأيناه بأم أعيننا في أعقاب ثورة يناير المجيدة كان شعبا ينتخب برلمانا ترشح أكثر من ثلاثة أرباع أعضاءه تحت لافتات إسلامية، ويعطي كرسي رئاسة الجمهورية لرئيس إسلامي نسأل الله أن يتقبله في الشهداء، فوجب علينا أن نسأل: لماذا بعد كل هذا يحدث الإنكسار؟
لقد أعترف بعض ممن كانوا في السلطة خلال هذه التجربة بالعديد من الأخطاء، خطأ في إختيار شخص ما لمنصب ما، أو خطأ في إتخاذ قرار معين، أو في عدم إتخاذ قرار آخر .. هل كانت المشكلة في أسلوب إتخاذ القرارات التفصيلية، بحيث لو تعلمنا الأسلوب الصحيح لإتخاذ القرارات فلن نقع في مثل هذه الأخطاء في المرة القادمة بإذن الله؟ وهل مطلوب من التجارب كي تنجح أن تخلو من الأخطاء؟ هذه السلسلة من المقالات تريد البرهنة على أن الخلل قد بدأ قبل ذلك، في مرحلة إتخاذ القرارات الإستراتيجية الكبرى وتحديد منهجية التعامل مع قضية التغيير الإسلامي.
لا أزعم أنني على يقين من أن ما أقدمه هو تفسير متكامل وصحيح لكل ما حدث، ولا أني سأقدم في النهاية توصيات إستراتيجية ناضجة لا تحتاج للمراجعة والتعديل، حسبي أن أقدم بعض الملاحظات الجوهرية التي وجدتها على قدر كبير من الأهمية وتستحق أن تؤخذ في الإعتبار، فيبنى عليها إن كانت صحيحة، أو تنقح وتصحح إن لم تكن كذلك، ولا أدعي الحكمة بأثر رجعي، فأنا أكتب اليوم بعد عقد كامل من الأحداث، ولا أدري لو كنت قد تحملت مسئولية المشاركة فيها فلربما وقعت في أخطاء أفدح، فلا يحسبن القارئ أنني أغمط الذين تصدوا لقيادة التجربة أقدارهم، إنما أقدم ما توصلت إليه بعد سنوات من تقليب ما حدث ومراجعته على ما تعلمته في تخصصي الدقيق – التخطيط الإستراتيجي – ولله الأمر من قبل ومن بعد.