منذ 5 سنة | 2962 مشاهدات
ظهر السيد هشام طلعت مصطفى في إعلان مدفوع على اليوتيوب يبشرنا بقرب الإنتهاء من تأسيس "إتحاد المطورين العقاريين" .. إن إتحادات المنتجين المتخصصين في سلعة معينة تثير الريبة دائما، وكثير من الدول المتقدمة ذات الإقتصاد الحر، ومنها أمريكا نفسها، تجرم مجرد التنسيق بين المنتجين، وتضع هذا التجريم ضمن بنود قوانين مكافحة الإحتكار، وتضع هؤلاء المنسقين في السجون إذا ثبتت عليهم التهمة .. مجرد لتنسيق من "تحت الطاولة" يعد جريمة، فما بالك إذا أنشأ المنتجون لأنفسهم إتحادا رسميا "لتنظيم السوق"؟
ويبشرنا الأستاذ هشام في إعلانه بأن هذا الإتحاد سيكون في صالح المشترين، فستنتهي معاناتهم التي تسببها فوضى قطاع الإستثمار العقاري، ولابد أنك تعلم أن "الحدأة لا ترمي كتاكيت"، فلماذا تصدق أن المستثمرين العقاريين عندما يجتمعون سيكون صالح المشترين ضمن إهتماماتهم؟ نعم هناك فوضى، وهناك إستغلال، وهناك فقاعة عقارية ستنفجر، إن عاجلا أو آجلا، وتصيب شظاياها الإقتصاد المصري كله، لكن آخر من يمكن أن نتصور أن يعهد إليهم بحل هذه المشاكل هم المطورين العقاريين، فحل مشاكل المستهلكين لا يعهد به أبدا إلى التجار، ولو في بلاد تركب الأفيال .. أو الحمير.
هل تتصور مثلا أن المستثمرين العقاريين، أو أي مستثمرين، سيفكرون في وضع سقف للأسعار أو الأرباح؟ إن كل بائع يهدف على الدوام للبيع بأعلى سعر وتحقيق أقصى ربح ممكن، وهو هدف مشروع بشرط ضمان المنافسة الحرة، فهل تتصور أن كبار المطورين إذا أصبحت لهم كلمة في إجراءات التسجيل لدخول سوق العقارات سيعمدون إلى التفكير في أنسب الوسائل لتمكين صغار المستثمرين من دخول السوق لزيادة المنافسة وضمان تقديم أفضل المنتجات بأقل الأسعار؟ أم سيعملون على وضع ضوابط لمنع دخول هؤلاء الصغار "الملاعين" الذين يرضون بالقليل و"يضربون الأسعار"، بحجة منع المغامرين غير المؤهلين .. إن منع المغامرين والنصابين هو هدف مهم فعلا، ويجب السعي إليه، وله طرقه المعروفة، وليس من بينها إسناد الأمر إلى الكبار.
لقد قرأت منذ عدة سنوات مسودة مقترح لإنشاء مثل هذا الإتحاد، وخرجت بإنطباع أن الذين كتبوه هم مجموعة من كبار المستثمرين العقاريين يريدون ضمان سيطرتهم على سوق العقارات وتأمين مركز شبه إحتكاري لأنفسهم، لكن الفكرة نامت، وظننت أنها قد ماتت، حتى سمعت الإستاذ هشام يقول أن من أهداف إتحاده تصنيف المطورين العقاريين حسب خبرتهم ليتم تخصيص الأراضي لهم حسب هذا التصنيف .. يا للهول .. تخصيص الأراضي لا يكون إلا لأراضي الدولة (أو هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة)، والمفروض أن الأرض، شأنها شأن كل مدخلات الإنتاج، ينبغي أن تباع بسعرها التنافسي العادل لكل من يطلبها، وإذا كنا سنعطي أي ميزة سعرية لفئة ما فلابد أن تكون هي صغار المستثمرين لتشجيعهم على العمل وزيادة حجم المعروض، أو لراغبي البناء لأنفسهم لمساعدتهم على توفير مسكن بتكلفة معقولة، لكن فكرة الأستاذ هشام تسير عكس القاعدة، فتعطي الميزة التفضيلية لكبار المستثمرين !! لماذا؟ .. أي مصلحة ستتحق لمشتري الوحدات إذا وقع سوق العقارات في قبضة حفنة قليلة من كبار المطورين لتتحكم في حجم الإنتاج وأسعار البيع؟ .. ما هو إحتكار القلة إذا لم يكن هو سيطرة عدد قليل من كبار المنتجين على نسبة كبيرة من المعروض من سلعة معينة؟ .. هل سمع أحد أن الإحتكار يمكن أن يحقق منفعة لأحد إلا للمحتكرين؟ .. على حساب المستهلك بالطبع (وعلى حساب كل من يقدمون سلع إنتاج وسيطة أو خدمات إستشارية لا يستخدمها إلا هذا القطاع).
سوق العقارات يحتاج فعلا لتنظيم، لكن إذا كان كبار المستثمرين هم الذين سينظمونه فقد أعطينا إذن للقط مفتاح الكرار.