منذ 5 سنة | 2006 مشاهدات
هذا كتاب يستحق أن يقرأ بتدبر وتمعن أكثر من مرة، على الأخص في ظروفنا الحاضرة، وكأي باحث محترم يضع الأستاذ محمد جلال كشك خلاصة النتائج التي وصل إليها بالتحقيق العلمي في مقدمة الكتاب، فهو لا يريد أن يكتب كتابا مسليا، ولا يهتم بتشويق القارئ، وإنما بتنبيهه وتعريفه بعبرة تاريخنا، لكن معرفة العبرة ليست هي الفائدة الوحيدة للكتاب، ففي ثنايا عرضه لأطروحته وإقامة الأدلة على صحتها يطرح أيضا الكثير من التفاصيل التي لا غناء عن معرفتها لمن يريد إنهاض مصر، وسأنقل هنا أهم فقرات هذه المقدمة بنص كلمات أستاذنا الراحل، التي أرجو أن تستفز القارئ لقراءة الكتاب، والأهم هو أن تستفزه للعمل، موقنا بقدرة إمتنا على مواجهة التحدي، شريطة أن تعرف أولا طبيعته، وشرائط مواجهته.
"في أكتوبر 1798 دخلت الجيوش الفرنسية الأزهر، وأعمل الجند الفرنسيون السيف في طلبته وشيوخه، ونهبت الكتب ومزقت مخطوطات عمرها عدة قرون، وألقوها أرضا ووطئتها سنابك الخيل، ونهب بعضها اليهود الذين كانوا في خدمة جيش الإحتلال، ثم إتخذ الجند من المسجد إسطبلا للخيل، وظلت فيه حتى تشفع الشيخ "الجوهري" الذي لم يقابل في حياته حاكما، ظالما كان هذا الحاكم أو عادلا، لكنه خرج على النهج الذي ألزم به نفسه وتوجه إلى نابليون، وأدرك نابليون خطورة إحتلاله المهين للأزهر وعمق تأثيره في المصريين، فأمر بالجلاء عنه، ليلقي القبض على عدد من مشايخه ويقطع رءوسهم في سجن القلعة.
كان الأزهر هو رمز سيادة الأمة، ومركز قيادتها، وما أن سقطت "الدولة" المصرية في إمبابة حتى أصبح الغازي المحتل والأزهر وجها لوجه، فقاد الأزهر مقاومة الأمة على جميع المستويات: من المقاومة السلبية التي قادها الشيوخ الكبار داخل مجالس نابليون وداخل التشكيلات الإدارية التي أقامها لحكم البلاد، إلى المقاومة الوطنية العنيفة التي قادها الشيوخ الصغار، بتنظيم حركات سرية، وأعمال المقاومة الشعبية – التي وصلت ذروتها بتنفيذ أهم ثورتين عرفهما الشرق في ذلك الوقت – إلى أعمال الإغتيال التي نظمها ونفذها بنجاح طلبة الأزهر "المجاورون".
كان الأزهر يمثل الكيان المتميز لهذه الأمة، يمثل ذاتها وتراثها، وإمكانية مستقبلها، وأدرك المحتلون ذلك كله، لذا نراهم في نفس الوقت الذي يجرون في المفاوضات والمساومات مع الباب العالي بهدف التفاهم معه، ويعقدون الإتفاقات مع فلول المماليك، ويصبح كبيرهم "مراد" بيك بمثابة موظف أو قائد قوة بوليسية تابعة للمحتل الفرنسي .. في نفس الوقت كان الصدام يتصاعد يوميا بين جيش الإحتلال، أو السلطة الفرنسية، وبين الأزهر، وإنتهى ذلك الصراع بإغلاق الأزهر وتسمير أبوابه بعد مصرع "كليبر"، وفي عهد خليفته الذي إدعى الإسلام: "عبد الله جاك مينو"!
نعم .. لقد فتح الأزهر أبوابه بعد ذلك لأن الحملة الفرنسية إنتهت أيامها في مصر وإضطرت إلى الجلاء، ولكن هذه الحادثة – أعني إغلاق الأزهر – عبرت عن طبيعة العلاقة الوحيدة الممكنة بين الإحتلال الغربي وقيادة الأمة.
كانت الحملة الفرنسية هي طليعة "الإستعمارية الغربية"، وكانت تجربة السنوات الثلاث التي قضتها في مصر كافية لإقناع هذه الإستعمارية بأنه ما لم تتم تصفية الدور القيادي الذي يلعبه الأزهر [التأكيد من عندنا – ع] فلن يمكن لأي إستعمار غربي أن يستقل على ضفاف النيل.
لقد سقطت مصر خلال ساعات عندما كان أمراء المماليك يتولون الدفاع عنها، ودخل نابليون القاهرة سعيدا مستبشرا حالما بإمبراطورية الإسكندر، فلما برز الأزهر، لأنه هو وحده الذي بقي في الساحة، وتحمل شيوخه المنتشرون في كل قرية مصرية، بالوجود أو بالفكر أو بالتوقير، مسئولية قيادة الأمة، لم يبت جيش الإحتلال ليلة واحدة هادئة طوال ثلاث سنوات، ولم يسجل تاريخ الشعوب الشرقية، قبل مقاومة الشعب المصري، ولسنوات أخرى عديدة بعدها، مثل هذه المقاومة العامة والشاملة للوجود الغربي، التي شهدتها مصر في الفترة من 1798 – 1801.
كان رفض الوجود الغربي على أرضنا رفضا عاما وشاملا وعنيفا، وكان لابد أن تصفى قيادة الأزهر، لا عن طريق إحتلاله بالخيل، ولا يتسمير أبوابه، بل بتسمير قيادته الفكرية للأمة، بتغريب المجتمع من حوله حتى تقطع جذوره أو تذوي، ويبدو نشازا متخلفا، بل ويصبح رمزا "للتخلف" ومثارا للسخرية والتندر.
هذه هي المهة التي تولاها بنجاح رجل الغرب وممثل مصالحه "محمد علي" باشا الملقب بالكبير، "مؤسس مصر الحديثة" و"باعث نهضتها" ومسلمها فريسة عاجزة إلى الإستعمار الغربي.
عندما جاء نابليون بجيشه واجه شيوخ الأزهر: القيادة الشرعية والواقعية للأمة، لذلك كانت سنواته الثلاث هي سنوات حرب متصلة، ومقاومة لا تهدأ، ولكن بعد ثمانين عاما من تحضير وتمدين وتغريب أسرة "محمد علي" لمصر إنتقلت القيادة نهائيا من الأزهر، وأصبحت هذه المرة في الجيش، فلما سقط الجيش في معركة التل الكبير سقطت مصر، ونعم الإنجليز بهدوء دام أكثر من ربع قرن، لأن الأمة كانت بلا قيادة، لأن قيادتها الطبيعية كانت قد نحيت وصفيت، لأن عملية التغريب كانت قد تمت بنجاح، وأصبحت البلاد ناضجة لكي يتناولها السيد الغربي، وقد كان.
وللكلام بقية بإذن الله.
راجع المقال السابق: "عندما كان الأزهر أزهرا"
جزاكي الله خيرا. تحليل متميز ويساعد على فهم وتحليل الواقع الذي تعيشه مصر الآن. المهم العمل الجاد لكل فرد واهم العمل الجماعى للامه
محمد عادل || adelm1021@gmail.com
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ولازال الاحتلال مستمر من عهد محمد علي الي الان واسال هل الأمة المصرية ماتت ام ماذا فعل بها ام نحن نحتاج ثورة على كل المفاهيم التي تربينا عليه