منذ 5 سنة | 3601 مشاهدات
"مفيش في الإسلام حاجة إسمها معارضة، إزاي؟ مش فيه شورى .. بس خلاص، طيب أنا مش موافق .. الأكثرية في الشورى قالت إيه؟ .. في الشورى الأكثرية .. آه خلاص، يبقى إحنا نتبع الأكثرية، في غزوة أحد مش كان النبي عليه الصلاة والسلام وجهة نظره إنه يقعد في المدينة المنورة، لكن لما عمل شورى الشباب قالوا لا يا رسول الله نطلع عند جبل أحد .. خرج النبي عليه الصلاة والسلام، آه، ما يجيش بقى النبي يقول لهم طيب إطلعوا إنتم أصل إحنا معارضة، إحنا مش موافقين على اللي إنتم بتقولوه .. لا .. ما دام الأكثرية قالت يبقى خلاص، يبقى دا فرق بين الشورى والديموقراطية" .. هذه العبارة وردت في كلام الشيخ بعد دقائق قليلة من إستنكاره الديمقراطية لأنها تأخذ القرارات بالأغلبية، ولا يمكنك أن تعرف ما هو المنطق الذي جعل الشيخ يستنتج من هذه الواقعة أنه "مفيش في الإسلام حاجة إسمها معارضة" .. ألم يكن هناك بعض الشباب الذين عارضوا رأي القيادة النبوية؟ وسمح لهم بعرض وجهة نظرهم حتى جمعوا لها الأغلبية، فنزلت القيادة على رأيهم .. إذا كان هناك ما يمكن إستخلاصه من هذه الواقعة فهو أن الشورى تحترم رأي الأغلبية وتنفذه حتى لو خالف رأي الحكومة، ونحن لا نسعى للديموقراطية إلا لنحصل على النظم والآليات الإجرائية التي تمكننا من فعل نفس الشيء في مجتمع معاصر لا يمكن فيه جمع كل المواطنين على صعيد واحد ليعبر كل منهم عن رأيه ويتخذ الجميع قرارهم في إجتماع واحد.
أما الصورة الكاريكاتورية الغريبة التي رسمها الشيخ للمعارضة التي تعطي لنفسها حق عدم تنفيذ القرار لأنها تعارضه فلا توجد إلا في أوهام الشيخ، ولا نعرف من أين جاء بها، ففي كل الديموقراطيات حول العالم ينتخب الرئيس بالأغلبية ثم تسري سلطته على الجميع، ولا يملك أحد التملص منها بحجة أنه لم ينتخبه، وعندما يقر البرلمان قانونا لا تملك المعارضة إلا أن تنصاع له، فإذا كانت المعارضة مثلا تفضل نسبا أقل من الضرائب فإنها ستدفع النسب الأعلى التي أقرها القانون، ومن يمتنع يعاقب بتهمة التهرب الضريبي، أما الإمتناع عن تنفيذ قرارات الرئيس أو قوانين البرلمان فليس معارضة، إنما هو عصيان أو تمرد أو ثورة حسب درجة حدته، لكنه لا يعد معارضة في أي مكان في العالم.
تتبلور المعارضة السياسية نتيجة إختلاف في النظر وفي تقدير الظروف، وهذا الإختلاف يمكن المجتمع من التعامل مع مشاكله آخذا في الإعتبار كل الجوانب، ومدركا لكل المخاطر والتحديات، دون الإنحياز لمصلحة خاصة أو نزوة حاكم وهواه، لذلك فالمعارضة جزء من النظام السياسي الديموقراطي، ووجودها مهم ومفيد، فهذا الوجود هو الذي يجبر الحكومة على دراسة قراراتها دراسة متأنية حتى تتمكن من تمريرها رغم المعارضة، وهو الذي يجعلها تتابع التنفيذ وتجري التعديلات اللازمة لتضمن النجاح، خوفا من أن تستغل المعارضة الفشل وتستفيد منه لتتحول إلى أغلبية، ولتحقيق هذه الفوائد تصر الديموقراطية على أن توفر للمعارضة كل الضمانات التي تمكنها من معرفة الحقائق، ومن تنظيم نفسها، والتعبير عن أفكارها، وجمع الأنصار حولها، وتمكينها من الوصول إلى السلطة لتصبح هي الحكومة إذا تمكنت من إقناع أغلبية المواطنين والحصول على تأييدهم.
والمعارضة في الأمم المحترمة لا تخالف الحكومة عمال على بطال كما يظن البعض، فإ>ا كانت الحكومة على صواب فمن الخير للمعارضة أن تصمت، بل وأحيانا تضطر إلى إعلان تأييدها حتى لا تفقد مصداقيتها في نظر الشعب، وأفضل مثال هو موقف المعارضة التركية من الإنقلاب العسكري، فقد وجدت أن من واجبها إعلان رفض سلطة العسكر والتمسك بالديموقراطية وإلا فقدت الثقة والإعتبار عن الشعب التركي.
للدكتورة نيفين عبد الخالق كتاب قيم بعنوان "المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي (أظنه كان رسالة دكتوراه)، ننقل منه فقرة تعبر عن خلاصة البحث بشأن وضع المعارضة في زمن حكم الراشدين (رض): "في عهد الخلفاء الراشدين كانت "المعارضة" – كتعبير عن حرية الرأي وقول الحق في وجه أي شخص مهما كانت مكانته – تعد سلوكا مقبولا نشأ في حضانة الدولة الإسلامية الأولى "الراشدة" وفي ظل رعايتها وتشجيعها، فالخلفاء أنفسهم يحثون المحكومين على هذا السلوك" .. ليست المعارضة إذن شيئا مستهجنا في الفكر الإسلامي، لكن هذا الفكر يقودها للإلتزام الذاتي، كما يقود الجميع لهذا الإلتزام في كل المجالات، وهي ملحوظة تغيب عن كل هؤلاء الأفاضل الذين يستشهدون ببعض الممارسات السلبية في المجتمعات الغربية لشجب الديمقراطية بدلا من شجب التسيب الليبرالي .. لن تظهر هذه الممارسات بإذن الله في مجتمع مسلم، وإن ظهرت – لا قدر الله – فلن تكون المشكلة في الديموقراطية، وإنما في تقصير العلماء والدعاة في غرس تعاليم وقيم الإسلام في نفوس الناس وترجمتها إلى ممارسات حياتية .. لا ينبغي لنا أن نتصور إمكانية وجود الفروع بدون الأصل، والأصل هو وصول المجتمع إلى حد مناسب من الإلتزام بعقائد الإسلام وأحكامه وأخلاقه ومعاملاته، والفروع هي النظم التي سيدير بها هذا المجتمع شئونه، لا يمكنك معالجة أمر الفروع وأنت تفترض أن الأصل غير موجود، إذا لم تنجح في وضع الأساس فلن يرتفع لك بناء، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.