منذ 6 سنة | 3401 مشاهدات
"نحن نعرف أن الربا حرام، ونحن لا نتعامل به، هل إنتهت كل المواضيع المهمة حتى تظل تعيد وتزيد في هذا الموضوع؟" .. كان هذا، تلميحا أو تصريحا، هو تعليق أغلب من أعرفهم ممن قرأوا مقالات الربا .. واضح أني فشلت في بيان أهمية الموضوع، إنه ليس فقط موضوعا مهما، والعقوبة فيه ليست شخصية، وإنما هي جريمة إجتماعية، والحرب من الله تطال بسبها المجتمع كله: "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .." البقرة: 279 "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب " الأنفال: 25، لكننا جميعا، لا أستثني نفسي، غفلنا عن أمرها.
يبدو أن العلم علمان: علم بالتكليف الشرعي في ذاته، وعلم بمقتضيات هذا التكليف في كل جوانبه العامة والخاصة، المباشرة وغير المباشرة، وإلا فلتفسر لي كيف أن برلمانا حاز ثلاثة أرباعه ثقة ناخبيهم بفضل إعلانهم أنهم سيطبقون الشريعة ثم لا تطرح بين جنباته، خلال حياته القصيرة، مسألة ضرورة التخلص من بلاء الربا في حياتنا الإقتصادية ولو مجرد طرحا تمهيديا لتوضع على جدول الأعمال؟ .. والأدهى أن شخصا مثلي، مهموم بهذه القضية منذ السبعينات، لم تلفت إنتباهه هذه الملاحظة إلا مؤخرا، عندما كنت بصدد التفكير في الصياغة العملية الإجرائية لوضع منهج الإسلام في إدارة الحياة الإقتصادية المعاصرة موضع التطبيق.
لست شخصا حالما لا يدرك الضرورات العملية للإدارة العامة، ولم، ولن، أطالب بقانون يصدر فورا بإلغاء فوائد البنوك، فلابد أولا من التوعية والإعداد النفسي للجماهير لتدرك خطورة الأمر، لتكون قادرة على تحمل بعض الإرتباك المؤقت في المراحل الأولى، ولابد أن تكون لدينا دراسة متكاملة للبديل الإسلامي المعاصر لجمع المدخرات وتمويل الإستثمارات (ولا تقل لي البنوك اللاربوية والصكوك الإسلامية، فهذا ترقيع لن يفيد)، وأن يوضع هذا البديل موضع التجربة خلال فترة إنتقالية، حتى نتعلم كيف نتعامل معه، ويتعلم القائمون عليه كيف يديرونه ويصلحون عيوبه ويتداركون مشاكله، فلا يمكن أن نعد تصورا نظريا، مهما إمتلكنا من علم وبذلنا من جهد، ثم يكون كاملا لا يحتاج للتنقيح والتكييف بالتجربة والخطأ، لكن في نفس الوقت لا يجوز أن تؤجل قضية على هذه الدرجة من الخطورة دون أن نقوم بكل ما في وسعنا (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لكنه جل وعلا يكلفها بكل وسعها)، فنطرح البدائل ونناقشها، ونشرع في تنفيذ ما يمكن تنفيذه منها بسرعة، ونعمل بكل همة على إفقاد البنوك الربوية جاذبيتها، على الأقل بفضح مدى خطورة وجودها على سلامة ديننا وإنتاجية مجتمعنا.
فخلال عام كامل من وجود رئيس إسلامي في قصر الرئاسة لم تكن لهذه القضية الأولوية المناسبة، ولم تتخذ أية إجراءات لطرح بديل إسلامي (خلا موضوع الصكوك، والذي لا يقوم به إقتصاد، لا إسلامي ولا غيره) .. بل على العكس من ذلك، وجدنا حكومته تنخرط في مفاوضات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي [!!] .. لست درويشا لا يفهم في الإقتصاد، لكني مسلم يقرأ في كتاب الله "يمحق الله الربا ويربي الصدقات" .. قانون إلهي من قوانين الإجتماع البشري، عرفنا كيف يعمل أم لم نعرف، سيعمل رغم أنوفنا، فكيف تجاهلناه؟ وماذا كنا نتوقع؟
وإعترض مشايخ الأزهر على قانون الصكوك الإسلامية، بحجة أنه يعرض أصول الدولة لبعض المخاطر، في حين أنه لا دور الأزهر ولا تخصصه يعطيه الحق في أكثر من الكلام حول مشروعية صيغة الصكوك .. كيف قبل المشايخ هذا الهراء السخيف؟ وكيف سكتنا جميعا ولم نصرخ في وجوههم: يا أيها الناس نحن نتعامل بالربا، أي خطر أكبر من هذا؟ .. لماذا لم نسألهم: كيف تسكتون على الفوائد في الودائع والسندات وتتوقفون عند المخاطر التي تتعرض لها أصول الدولة عندما تضمن الصكوك؟ كيف تطلبون منا أن نستمر في تمويل حكومتنا بأذون الخزانة الربوية إنتظارا لصكوك خالية من أي مخاطر؟ وهل يوجد في شريعة الإسلام معاملة إقتصادية واحدة تخلو من المخاطر وتكون مشروعة في نفس الوقت؟ وهل هناك خطر يمكن أن نعرض أنفسنا له أكبر من حرب من الله؟ .. كيف مررنا كل ذلك، وكيف مرره كل المشايخ وسكتوا عنه؟ ولماذا قبل نوابنا الموقرون كلام الأزهر وهو لم يكن ملزما لهم بنص الدستور؟
أيها الأخوة الكرام: أنتم غالبا لا تعلمون مخاطر المعاملات الربوية على البناء الإجتماعي والإقتصادي، ونحن المتخصصون لا ندرك منها إدراكا حقيقيا إلا القشور، ومع ذلك فما نعلمه كارثي، وسنعرضه بإذن الله، لكن هل إتقاء غضب الله لا يكون إلا في ما نعرف ضرره، ألا يكفي أنها حرب لا تصيبن الذين يأكلون الربا خاصة؟ وإنا لله وإنا إليه راجعون.