منذ 6 سنة | 3404 مشاهدات
الدليل الثالث الدي ساقه الخبير الإقتصادي ليبرهن به على عدم وجود شيء إسمه إقتصاد إسلامي هو أن هدا المصطلح إخترعه رجل بنوك إنجليزي في الثمانينات، إفتتح في بنكه فرعا أسماه فرع المعاملات الإسلامية، وروج لمصطلح الإقتصاد الإسلامي ليقنع أثرياء المسلمين بأن دينهم يأمرهم بألا يودعوا أموالهم في البنوك الربوية، فقط ليغريهم بنقلها إلى البنك الدي يديره .. هدا هراء واضح، ولا أظن الرجل يتعمد الكدب، فلا يوجد عاقل يجرؤ على أن يكدب مثل هده الكدبة المفضوحة، وعلى الأرجح هو لا يعرف إلا القشور عن الموضوع الدي تصدى للفتوى فيه، وهدا لا يقبل من رجل يقدم نفسه كخبير إقتصادي، ويصدقه البعض ثم يجادلوننا بما سمعوه منه.
وهو من حيث المبدأ يخطئ خطأ فادحا عندما يخلط بين "بنك إسلامي" و"إقتصاد إسلامي"، فالبنك هو مجرد مؤسسة مالية تعمل في جمع المدخرات وتوفير التمويل لمن يطلبه، أما النظام الإقتصادي فهو مجمل القوانين والمبادئ والقيم وأساليب العمل التي يتبعها مجتمع معين خلال قيامه بالفاعليات الإقتصادية من إنتاج وإستهلاك وإدخار وإستثمار .. إلخ.
وقد أخطأ عندما زعم أن الدي صك المصطلح هو رجل بنوك إنجليزي إخترع فكرة المعاملات المصرفية الإسلامية، فأول من أعرف أنه تحدث عن المعاملات المصرفية الإسلامية بالتفصيل كان الدكتور أحمد عبد العزيز النجار رحمه الله، وقد قرأت كتابه في أوائل السبعينات يحكي فيه عن تجربته في بنوك القرية التي أسسها وأدارها في مصر في النصف الأول من الستينات، ولم يجرؤ بالطبع على أن يقدم فكرته للمسئولين بإعتبارها تجربة للتمويل الإسلامي، ففي مصر الناصرية لم يكن ليسمح بدلك، وإنما قدمها بإعتبارها محاولة لإقامة مؤسسات تمويل في قرى مصر تأخد في إعتبارها طريقة تفكير القرويين، بهدف تعويدهم على التعامل المؤسسي في الإدخار والإستثمار، أما أول بنك حمل إسم "إسلامي" فهو الدي أسسه الشيخ سعيد لوتاه في أبو ظبي عام 1973 .. الخبير لا يعرف تاريح البنوك الإسلامية ولا من هم روادها، ومع دلك ينبري لإتهام الإسلاميين بأنهم مجموعة من المغفلين ضحك عليهم رجل بنوك إنجليزي وأقنعهم بشيء لا وجود له كي يستفيد من أموالهم.
أما فكرة أن المسلمين إدا عاشوا طبقا للمرجعية الإسلامية فسيكون لهم نظام إقتصادي خاص بهم فتجدها واضحة ناصعة في كتاب الشهيد سيد قطب "معركة الإسلام والرأسمالية"، وإدا كان رحمه الله لم يستخدم مصطلح الإقتصاد الإسلامي فإنه قد أكد أن إقتصاد المسلمين لن يكون رأسماليا ولا إشتراكيا، وإنما سيكون "نسيج وحده"، وهدا الكلام كتب قبل محنة الإخوان في 1954، أما أول مرة أقرأ مصطلح "الإقتصاد الإسلامي" ففي كتاب الشيخ محمد باقر صدر الدي صدر في الستينات، وفي أوائل السبعينات ظهر كتاب الدكتور عيسى عبده القيم "نظرية الإقتصاد الإسلامي"، وخلال عقد السبعينات جاء عدد من المؤلفات التي تناول كل منها جانب من جوانب تميز الإقتصاد في المجتمع المسلم، أهمها في تقديري كتاب الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله "مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام"، أما بعد السبعينات فقد ظهرت أعداد كبيرة من المؤلفات في الموضوع، بعضها حمل إضافات نظرية مهمة (على الأخص كتابات الدكتور عبد الحميد الغزالي والإستاد يوسف كمال وأستادي الراحل عادل حسين، دون التقليل من شأن غيرهم) ومنها ما لم يكن أكثر من تلخيص أو إعادة صياغة، المهم أن الموضوع تناولة عدد كبير من الخبراء، وبعض هده الكتب كانت أصلا رسائل أكاديمية تمت إجازتها وحصل أصحابها على لقب "دكتور" .. ولا تفهم كيف غفل خبيرنا المحترم عن كل هدا الإنتاج العلمي الدي يملأ المكتبات وتقام عليه المؤتمرات، ولم يعرف إلا رجل البنوك الإنجليزي الدي إفتتح فرعا للمعاملات الإسلامية في الثمانينات.
وأول دولة أطلقت على نظامها الإقتصادي صفة "إسلامي" هي إيران بعد الثورة، وربما لا تعجبك إيران (فيها أشياء كثيرة لا تعجبني)، لكن الدي لا شك فيه أنها حققت تقدما إقتصاديا مكنها من تحدي الغرب والصمود في وجه كل العقوبات الإقتصادية التي حاصرها بها.
قد لا تكون متحمسا لفكرة الإقتصاد الإسلامي، أو حتى رافضا لإقامة أي نظام في أي مجال على أسس إسلامية، أنت حر، لكنك لست حرا في أن تزعم أنه لا يوجد شيء إسمه إقتصاد إسلامي .. قد تجده فكرة سيئة وغير قابل للتطبيق عندنا، هاجمه إدن وبين عيوبه إن وجدت ودعنا ندافع عنه أو نقتنع بكلامك إن كان فيه ما يقنع، لكن إحترام العلم والحقيقة يلزمك بالإقرار بأن هناك فعلا شيء موجود مند 1400 سنة يمكن أن نسميه اليوم "الإقتصاد الإسلامي"، حتى لو لم يحمل هدا الإسم عندما لم تكن هده المصطلحات قد ظهرت بعد.
ولله الحمد والمنة.