إجتمعت أحزاب المعارضة "المدنية" (وقد مللنا من تكرار أن "مدنية" هو إسم الدلع ل"عالمانية") وألقى السيد حمدين صباحي خطبة حماسية قوية ندد فيها بالنظام وأنهاها بقوله أن تغيير هدا النظام أصبح فرض عين على كل مصري (وكأنه لم يكن كدلك من أول يوم للإنقلاب)، وأختتم الإجتماع ببيان من أربع مطالب موجه إلى السلطة (فيبدو أنهم يرونها سلطة عاقلة تستجيب للمطالب المشروعة)، يتضمن مطالب لإستعادة الديمقراطية، منها الإفراج عن المعتقلين السياسيين الدين لم يدانوا في قضايا جنائية .. لعب الفار في عبي، فالمفروض أني من القائلين بأن الجهاد الوطني في المرحلة الحالية ينبغي أن يقتصر على إستعادة ديمقراطيتنا المنقلب عليها، وبعدها نحتكم إلى الشعب في خلافاتنا الأيديولوجية (راجع مقال "فرض الوقت")، ومع دلك لا أراني متحمسا لتأييد هده المبادرة "الديمقراطية"، فهي ديمقراطية تفصيل، إد تستبعد منها كل من أصدر قضاؤنا الشامخ أحكاما جنائية بحقه، وبدلك يتم إستبعاد كل قيادات ورموز التيار الدي أنتمي إليه، فكلهم تم ترصيع جبينه بحكم جنائي، نتيجته إما أن يكون اليوم مغيبا في السجون داخل مصر، أو مغيبا في منفى إختياري خارج مصر، فما معنى ديمقراطية تستبعد التيار الأكبر حجما وتأثيرا داخل القوى الوطنية؟ .. أفضل أن أعتبرها غفلة ممن صاغوا هدا البيان، حتى لا أتهم بشق الصف الوطني إدا قلت أنهم يتعمدون هده الحيلة، فيكون علينا إما أن نؤيدهم ليحصلوا على ديمقراطية تستبعدنا، أو أن نتجاهلهم فنبدو غير متحمسين للإنضمام لمسيرة المطالبة بالديمقراطية.

          يبدو أن السيد صباحي ورفاقه لا يتعلمون إلا بالطريقة الصعبة، فقد قلنا لهم من زمان أن الإنقلاب لا يمكن أن يسمح بأي نوع من أنواع الديموقراطية (راجع "بديل حمدين المستحيل")، ومع دلك ظل حمدين يلف ويدور ويناور بحثا عن دور في ظل الإنقلاب، وفي النهاية أعلن أنه كان مخطئا .. هل كان من الضروري أن ينتظر حتى يبيع الإنقلاب الجزيرتين ويفرط في الغاز ويدمر الجنيه .. إلخ حتى يدرك أن العسكر ضار جدا بصحة المصريين؟ .. لا بأس .. أن تصل متأخرا خيرا من ألا تصل أبدا، لكنه مازال يلف ويدور ليستبعد الإسلاميين من ديموقراطيته التفصيل، فمتى سيتعلم أن الديمقراطية لا تتجزأ، وأنه لن يحصل على حقوقه الديمقراطية إدا وافق على أن تسلب من غيره؟ .. طيب إفرض أنهم قدموا معصوم مرزوق ومن معه إلى محاكمة عاجلة وصدرت ضدهم أحكاما جنائية، وهدا ممكن جدا، أم أنك تصدق حقا أن محمد مرسي قد تخابر مع دولة أجنبية وأمر بإطلاق النار على متظاهري الإتحادية وسرق بقرة وعنزة ودجاجتين أثناء هروبه من سجن وادي النطرون؟ وبناء عليه فمن الممكن أن يتضح للقضاء "الشامخ" أن معصوم مرزوق كان خلية إخوانية نائمة داخل تيار حمدين الشعبي، وأنه كان يدهب إلى رابعة متخفيا، وهو من ثم إرهابي قراري يجب إعدامه .. هل سيصنفه السيد صباحي ساعتها كمدان جنائي ولا يطالب بالإفراج عنه، أم سيكتشف، بنفس الطريقة الصعبة، أن القضاء المسيس لا يمكن الإعتراف بأحكامه، وأن إستعادة الديمقراطية لابد أن تترافق مع إطلاق سراح كل السياسيين، وإعادة محاكمة من وجهت إليه إتهامات جنائية جادة ولكن وهم مطلقي السراح، على أن تشمل هده المحامكات كل الأطراف التي شاركت في إراقة دماء المصريين وإزهاق أرواحهم.

كنت أتمني أن أؤيد هده المبادرة، لكنها بشكلها الحالي لا تعد مطالبة برد الأمر إلى أصحابه، أي كل المصريين، فهي ليست إلا محاولة للعودة إلى الإتفاق الأول الدي خانه العسكر (على حد تعبير البرادعي)، وهو أن يتولى العسكر إزاحة الإخوان ثم يقدموا الحكم للعالمانيين، ويظل العسكر شريكا من وراء ستار كما كان أيام مبارك .. لا يمكنني أن أقبل هدا، ليس لمجرد الوفاء للشهداء والمعتقلين، ولكن الأهم هو الوفاء لحق الشعب المصري في أن يحكم نفسه بنفسه.