منذ 6 سنة | 1606 مشاهدات
نخع وزير الأوقاف فتوى فريدة من نوعها، تقول أن الدي لا يدفع الضرائب المختلفة (عدد بعضها ولم يدكر الزكاة) لن تقبل منه الفرائض من صيام وصلاة وحج .. ولا تعرف من أين جاء الرجل بهده النخعة، فحتى لو فرضنا أن دفع الضرائب هو واجب شرعي (وهو لا يكون إلا في حالات خاصة فصلتها كتب الفقه) فإن التهرب منها لن يعد إلا معصية توزن مع سائر المعاصي والطاعات يوم الحساب، ومن المعروف أن ثواب أي فريضة لا يتوقف على القيام بفريضة أخرى .. هدا تدليس واضح، ومع دلك لم ترد عليه عمامة واحدة من تلك العمائم التي إزدحم بها المكان [!]
ما هو وضع الضرائب في الإسلام؟
سلطات الدولة ليست حرة في أن تأخد من أموال الناس ما تشاء، ولا يحق لها أن تفرض أية ضرائب إلا عند الضرورة، والضرورة في مفهوم الشرع هي خطر وقوع مفسدة عظيمة تؤدي إلى هلاك بعض أبناء الأمة، كأن تكون الدولة مهددة بعدوان خارجي وفي حاجة للإنفاق على إحتياجات الجيش، أو حدوث كارثة طبيعية دمرت بعض المرافق العامة التي لا يمكن تأجيل إصلاحها، وهكدا .. أما توسيع الطرق وبناء عاصمة جديدة وحفر ترعة لا يحتاجها أحد وإقامة إحتفالات مهيبة بسبب وبدون سبب والإنفاق السخي على الدعاية .. إلخ، فلا يجوز فرض ضرائب على الناس لتمويلها، ناهيك عن أن تعامل هده الضرائب كأنها فروض شرعية .. ولنضرب مثلا من زمن الإنحطاط، فحتى في دلك الزمن كان المشايخ يتقون ربهم.
عندما هدد المغول بإجتياح مصر، وكان سيف الدين قطز قد تولى السلطة لتوه، وفي أعقاب دحر الحملة الصليبية وأسر لويس التاسع (في عهد السلطانة شجرة الدر)، والخزينة خاوية، طلب السلطان المملوكي من سلطان العلماء، العز بن عبد السلام، الفتوى في الضرائب التي يمكن فرضها لتمويل الدفاع عن البلاد فأفتاه، وتم جمع دينار واحد من كل رجل وإمرأة، وحصلت أجور الأوقاف الخيرية قبل موعدها بشهر، وعجلت الزكاة سنة، وأخد من التركات ثلثها.
إستمر خلفه، الظاهر بيبرس، يلاحق المغول حتى إسترد الشام وجزء من العراق حتى نهر الفرات، وكلما إحتاج للأموال جمع الضرائب، حتى أعلن الشيخ محي الدين النووي (صاحب شرح صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأدكار، والأربعين النووية، وغيرها من أمهات الكتب) أن الأمر قد زاد عن حده، وأنه من غير المقبول الإستمرار في فرض الضرائب، فجمع السلطان العلماء واستصدر منهم فتوى لتأييد ما يريد، وكتبوا كتابا ووقعوا عليه، وأحضر السلطان الشيخ النووي ليوقع معهم، فأجابه بقوة:"أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير بندقدار، وليس لك مال، ثم من الله عليك وجعلك ملكا، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصة من دهب [الحياصة هي الثياب الموشاة]، وعندك مائة جارية، لكل جارية حق من الحلي، فإدا أنفقت هدا كله، وبقيت مماليكك بالبنود الصوف بدلا من الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي، أفتيتك بأخد المال من الرعية" .. فغضب الظاهر، وقال أخرج من دمشق، فخرج إلى بلده "نوى"، فقال الفقهاء: إن هدا من أكابر علمائنا وصلحائنا، وممن يقتدى به، فأعده إلى دمشق، فرسم برجوعه، فامتنع الشيخ وقال لا أدخلها والظاهر فيها، فمات الظاهر بعدها بشهر (نقلا عن "تاريخ المداهب الفقهية" للشيخ أبي زهرة).
الضرائب ليست حقا للدولة تفرضه على الناس حسبما ترى، وانما الأصل أن تعتمد الدولة على مواردها، وإدا إحتاجت بسبب عجز مؤقت في السيولة فتبدأ أولا بالإقتراض من الأثرياء، وإدا زاد العجز وهناك ما يخشى معه هلاك الناس (وليس أي إنفاق مهما كان)، فلها أن تفرض ضرائب تقدر بقدر الضرورة، وإلا كانت السلطة تأكل أموال الناس بالباطل .. هده هي الشريعة .. ربما لا تعجبك .. أنت حر، إفعل ما شئت، لكن لا تتمحك عندها في الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.