منذ 6 سنة | 1760 مشاهدات
هذا المقال هو في الأصل مقدمة لبحث كتبته منذ أكثر من ثلاث سنوات، كنت وقتها عضوا في اللجنة القيادية لحزب الاستقلال، وقدمته للنشر في جريدة الشعب، لكن كل أعضاء اللجنة القيادية أبدوا تحفظهم على هذه المقدمة، وللحق فإنهم لم يمنعوا نشره، لكنهم حاولوا إقناعي بخطأ ما ذهبت إليه .. لم يلجأوا للضغط علي من منطلق الإلتزام الحزبي (وإن كانوا قد فعلوها بعد ذلك عدة مرات)، أنا الذي وجدت، وقتها، أن الموضوع لا يستحق أن أثير بشأنه خلافا داخل الحزب، فنحن جميعا مختلفون مع القيادة الحالية للإخوان في توجهاتها، ويكفي أن نعمل على نقد هذه التوجهات بالأدلة الموضوعية .. أما الآن وقد تخففت من القيد الذي يمثله كوني عضوا في اللجنة القيادية، بالإضافة إلى قناعتي بأهمية تنبيه الإخوان إلى أن واحد من عوامل فشلهم الرئيسية هو إبتعادهم عن الفكر المؤسس لحركتهم، وحثهم على العودة إلى خط الإمام كي يستعيدوا مركزهم في صدارة المشهد المصري .. هذا هو ما كتبته حينئذ وبنصه:
* * * * *
في سلسلة مقالاته "خلافنا مع الإخوان" ذكر الأستاذ مجدي حسين ضمن هذه الخلافات الصبغة الليبرالية التي تصبغ التوجهات الإقتصادية للإخوان، وهذه بالنسبة لي ليست قضية ثانوية بالمرة، تنبع أهميتها من أن الليبرالية الإقتصادية، مهما رفع أنصارها من شعارات عن العدالة الإجتماعية، هي في الواقع وبالضرورة لن تفرز إلا نظما منحازة للأغنياء، ومن الناحية العملية لن يجد المواطنون المطحونون مصالحهم مع برنامج إقتصادي ليبرالي حتى لو طرح تحت لافتة إسلامية، ربما تدفعهم مشاعر التدين إلى التعاطف الوجداني مع رافعي الشعارات الإسلامية .. لكنهم في حركتهم بحثا عن حقوقهم ومصالحهم لن يتحركوا إلا خلف قيادة تتفهم مطالبهم ولديها البرنامج الذي يحققها .. ربما كان في هذا تفسيرا للظاهرة التي حيرت بعض قيادات الإخوان، وهي عجزهم الواضح عن التأثير على الحركة العمالية وقياداتها، وإذا لم تلعب الحركة العمالية دورها في بناء النظام الجديد فستكون هذه نقطة ضعف خطيرة .. هذا هو ما يعطي للقضية أهميتها.
وقد أنهى الأستاذ مجدي حسين مجموعة مقالاته بنتيجة، هي أن جماعة الإخوان المسلمين لا تتبنى منهجا ثوريا، وتفضل سبيل إقناع أمريكا بتمكينها من الحكم، وإنها بذلك قد فقدت حقها في قيادة العمل الوطني، وينبغي أن تشرع الأمة في إنشاء جماعة بديلة يمكنها قيادة المرحلة المقبلة.
ورغم إتفاقي مع الأسناذ مجدي على وجود هاتين الظاهرتين: تبني الإخوان لمدخل ليبرالي في الإقتصاد، ورغبتهم في تجنب الصراع مع الغرب، بل وصلوا إلى حد محاولة إقناع أمريكا بأن وجودهم في السلطة لن يؤثر على مصالحها في المنطقة، فإننا نختلف معه في تفسيره لمنشأ هاتين الظاهرتين، وبالتالي نختلف معه في النتيجة التي وصل إليها.
واضح بالفعل أن قيادة الإخوان الحالية تصورت أنها يمكن أن تهادن الأمريكان حتى يتركوها تتمكن من السلطة، وبعدها تعمل بالتدريج وبنفس طويل على تعديل بنية الواقع المصري حتى يمكنها فرض أمرا واقعا يستعصي على التغيير ويؤدي إلى إستقلال إرادتها، وهذه حيلة لا يمكن أن تنطلي على مراكز جمع المعلومات وصنع القرار في أمريكا، فهم يدركون تماما أن البعث الإسلامي لا يمكنه إلا أن يكون مفضيا إلى خروج المنطقة كلها من دائرة التبعية، ولن يتركوا لأي سلطة ذات توجه إسلامي صادق فرصة لفرض أمر واقع لا يمكن تغييره، لكني أختلف مع الأستاذ مجدي حسين في التفسير الذي ذهب أليه من أن هذا هو منهج الإخوان الفكري الأصيل، فأنا أفسره بأنه على العكس، خطأ تاكتيكي وقعت فيه قيادة هذه المرحلة، وهو إما نتيجة تحليل سياسي قصير النظر أو نتيجة حالة نفسية أنتجتها سلسلة من المحن الطويلة التي جعلت "من لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي" (هذا وبنصه هو ما قاله لي واحد من القيادات الوسطى للإخوان)، وعلى أي حال ومهما كان السبب فإن هذه التوجهات لا تعبر عن فكر جيل المؤسسين لحركة الإخوان، ومن شاء فليرجع إلى رسائل الإمام حسن البنا وكتابات الأستاذ سيد قطب رحمهما الله، وسنكتفي هنا بواقعة معروفة تؤكد أن مؤسس الحركة كان يدرك تماما أن عليه أن يخفض الجناح في مرحلة البناء والتعبئة والدعاية للفكرة وحشد الأنصار، لكنه كان يعرف أن مرحلة التغيير لابد أن تؤدي إلى دخول حركته في صدام مع المحتل الإنجليزي والطبقة الحاكمة المصرية، وهي واقعة إنشاءه للنظام الخاص (السري)، ومع أن أسلوب إنشاء هذا النظام وطريقة عمله كان فيه خطأ تاكتيكيا أدركه البنا رحمه في أواخر أيامه، ثم قام خليفته بالتخلي عن الفكرة من أصله وحل النظام الخاص، فإن دلالة الواقعة هي أن فكر الجيل المؤسس للجماعة لم يكن فكرا إصلاحيا متهادنا مع الغرب، بل كان يعرف تماما أنه بعد إنتهاء مرحلة الإعداد سيتحتم عليه أن يدخل مرحلة صراع لابد أن يعد لها عدتها، حتى لو كانت العدة التي شرع في إعدادها لم تكن هي العدة الملائمة تماما.
ويؤكد هذه الفكرة ما ذكره الأستاذ/ محمد حامد أبو النصر – المرشد الرابع رحمه الله – في مذكراته من أن الإخوان هم الذين أنشأوا تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش وعهدوا بقيادته إلى واحد من الإخوان – جمال عبد الناصر – وساندوه ليلة الإنقلاب، وسواء كان جمال عبد الناصر إخوانيا ثم انقلب على الجماعة أم كان من البداية يستخدم الإخوان لمساعدته في تكوين تنظيمه والقيام بحركته دون إيمان حقيقي بدعوتهم، فإن المؤكد أن الإخوان كانوا مستعدين تماما لتحدي الإنجليز والقيام بعزل الملك بالقوة .. لم يكونوا في حقيقتهم تيارا إصلاحيا لا يؤمن إلا بالمهادنة والتدرج، حتى لو استخدموا لغة ناعمة في دعايتهم، ولغتهم لم تكن دائما ناعمة على أية حال .
ثم أن تجاهل وجود حركة تضم حوالي مليون عضو، بخلاف محبيهم وأنصارهم، والشروع في بناء حركة جديدة هي مسألة لا ينبغي التعجل فيها إلا بعد اليأس الكامل من إمكانية إعادة هذا التنظيم إلى جذوره، فمما لا شك فيه أن الإخوان عملوا على تربية أعضائهم على الإخلاص والتجرد والعمل لوجه الله، ولو كانوا قد نجحوا مع ربع هذا العدد فقط فإن معنى هذا أن لدينا ربع مليون مجاهد صلب تربطهم علاقات في غاية التماسك والانضباط، والأجدى هو محاورتهم لتعديل أفكارهم السياسية، خاصة أننا سنبني هذا الحوار على الأسس التي أرساها الشهيدين حسن البنا وسيد قطب رحمهما الله، ولن نطلب منهم التخلي عن جماعتهم، كل ما نطلبه هو أن يعودوا كما كانوا، قوة ثورية إسلامية.
أرجو ألا يكون تحليلي السابق خطأ كاملا، ولو كان فيه بعض الصواب فإنه يكفي كي يعيد الأستاذ مجدي حسين النظر في النتيجة التي وصل إليها ..
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
عادل الشريف || adelelsherif1955@yahoo.com
ومشاركتهم المبكرة في ثورة يناير دليل على أنها حركة تحرر وطني ، وأن صناعة بديل آخر للإخوان كما يقول مجدي حسين لهو عمل ناقض لكل إمكانيات الحراك الثوري الإسلامي العالمي ، وهو من علامات التفكير الحماسي الفارغ ، إضافة للمخالفة الشرعية ، فماذا ستقول لربك مبررا عدم اعتصامك مع إخوانك بحبل ربك ، ستقول : مهادنين للأمريكان ، أو من أجل خطئ تكتيكي مرحلي نهدم كيانا استراتيجيا أمميا ، وإذا كان مرسي قد سافر فعلا أمريكا ورفض لقاء أوباما على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ألم يكن ذالك دليلاً واضحا على إزماعه فك التبعية والإستقلال الوطني ، ولا لازم يغنوها ؟