منذ 6 سنة | 1807 مشاهدات
ساله محاوره: إذا أرادت جماعة الإخوان أن تعتذر عن شيء، فما هو هذا الشيء؟ .. قال الدكتور: لا أملك الكلام عن أن الجماعة تعتذر إلا إذا كلفت بهذا .. لكن هناك مراجعات، نعم، وهناك تصويب للسلبيات، لكن أدبيات الإخوان ألا يعلن هذا على الرأي العام، وإنما يتم في صفوف الجماعة .. الجماعة تعلن عن إعتذارها عن أمر ما في الشأن العام، عن أمر شاركت فيه وكان خطأ .. بادره المحاور: زي إيه؟ .. أجاب ببساطة: لا يوجد شيء [!!! -ع] .. لم تشارك الجماعة في الشأن العام بشيء كانت فيه على خطأ .. قد يكون هناك أخطاء في الإجتهادات .. نعم .. نحن بشر نخطئ ونصيب ..
في هذه الثواني القليلة من الحوار صدمنا الدكتور مرتين، ونكأ جروحا غائرة لم تندمل بعد.
لم تشارك الجماعة في الشأن العام بشيء كانت فيه على خطأ .. عجيب .. هل حكم مصر كان شأنا خاصا؟ .. أم أن الدكتور محمد مرسي – فك الله أسره – كان يحكم بصفة شخصية؟ .. أم أنه يريد أن يقول أن الإنقلاب قام ونجح دون أن يكون لأخطاء الإخوان أي دخل في ذلك؟ .. أعرف بعض الإخوان الذين يصرون على أن الأخطاء لم تكن بالحجم الذي يصوره أمثالي، وأن نجاح الإنقلاب لا يعود لهذه الأخطاء (وقد رددت عليهم موضحا خطورة هذه الطريقة في التفكير على مستقبل كفاح الشعب المصري في عدة مقالات، آخرها مقال "مرسي وأردوجان وإنقلابات العسكر")، لكني لم ألتق بواحد، واحد فقط، أنكر أن الإخوان قد إرتكبوا بعض الأخطاء .. ونحن لا نريد من الإخوان الإعتراف بأخطائهم كي نطالبهم بالإعتذار عنها، المهم عندنا أن يعالجوا أسلوبهم في التفكير وفي العمل حتى لا تتكرر هذه الأخطاء مرة ثالثة (فهذه كانت هي الثانية، أما الأولى فكانت في 1954 .. نفس الأخطاء تقريبا).
من وسط الكلام المتناقض (لم نخطئ .. لن نعتذر .. نحن بشر نخطئ ونصيب .. هناك مراجعات وتصويبات، لكننا لن نعلن عنها) تخرج بإنطباع أنه يريد أن يقول لك: إطمئن ودعنا نعمل في صمت .. لقد راجعنا أنفسنا، وعرفنا أخطائنا، وأصلحنا أمورنا، وكل شيء تمام .. لكننا لن نخبرك بما وصلنا إليه، ولن نعتذر لك عما سببته أخطائنا من نكسة لحركة الإحياء الإسلامي كلها، بل لكفاح الشعب المصري من أجل مستقبل أفضل .. لماذا لا يريد الإعتذار؟ لقد وضعنا ثقتنا فيكم وأوصلناكم لكرسي الرئاسة وأودعنا لديكم أمانة ما حققناه جميعا في 25 يناير العظيم، لماذا لا تريد أن تعتذر؟ وإذا كانت الإعتبارات الأدبية لا تهم الدكتور محمود حسين فعلى الأقل عليه أن يهتم بالإعتبارات الموضوعية: بإستعادة الثقة في صلاحية الإخوان المسلمين للقيادة وقدرتهم على تحمل تبعاتها .. أنا لم أفقد ثقتي في لحظة في المنهج الذي وضع أسسه حسن البنا رضوان الله عليه، لكن المناهج لا تقود إلى نتائج إلا عندما يتبناها رجال يفهمونها، ويفهمون الواقع وتحدياته، ولديهم القدرة على إستنباط الإستراتيجيات والتاكتيكات المطلوبة لتفعيل هذا المنهج وترجمته إلى مجموعة من الإفعال المحددة التي ينبغي القيام بها، ثم يكون لدى هؤلاء الرجال المهارة والمعرفة (والموهبة) لإدارة مرحلة التنفيذ (إختيار من الذي سيقوم بماذا، ومتابعته، وتوجيهه، وإستبداله إذا لزم الأمر، وتحديد التحالفات المطلوبة وإبرامها .. مع من تتم، ومن الذي يجب الحذر معه، والحذر منه، ومن الذي لا نتوقع منه إلا الخصومة .. إلخ)، ومن المؤكد أنني قد فقدت ثقتي تماما في هؤلاء الرجال الذين تصدوا لتفعيل منهج حسن البنا في واقعنا المعاصر منذ 24 يناير 2011 حتى اليوم، فإذا كانت الجماعة في حاجة لإستعادة ثقة الجماهير فيها، وأنا واحد من أكثر هؤلاء الجماهير قربا منها وتفهما لمواقفها، فعليها أن تستبدل هذه القيادة، أو أن تقنعني بأنها قد عرفت أخطائها وتعلمت منها ولن تكررها مرة أخرى.
هناك خطأ في طريقة التفكير نفسها، في المنطق الذي يخبرنا الدكتور محمود حسين أنهم يتعاملون به مع الموقف .. مشاكل عديدة تنتج عن النظر إلى قضية دراسة أسباب الفشل وكيفية معالجتها كقضية داخلية، لا نحاتج إلا لأعضاء التنظيم للتحليل والدراسة، ولن نطلع إلا أعضاء التنظيم على ما وجدناه من أخطاء، وعلى ما أصدرناه من توصيات للعلاج .. وصفة للفشل في العمل السياسي.
أنت من جهة تعتبر أن الإخوان المسلمين هي تيار فكري ينتمي إليه تنظيمات عديدة حول العالم، إذا لم تشرك كل هؤلاء في الدراسة، وتطلعهم على التصويبات، فإنهم سيقومون بذلك بعرفتهم وعلى طريقتهم، وسيصل كل منهم إلى نتائجه، وفي النهاية سينفرط عقد هذا التيار الواحد، بعد أن إنفرط عقد التنظيم الواحد، ويتحول إلى تيارات متعددة كل منها يزعم أنه هو الوريث الحقيقي لتركة حسن البنا .. إن دعوى أن كل من يتبنى فكرنا هو واحد منا تتعارض تعارضا منطقيا وعمليا مع فكرة أن الدراسة والتصويب هي شأن تنظيمي، تظل إجراءاته ونتائجه سرا لا يذاع على الرأي العام.
ومن جهة أخرى، أهم بكثير، فإن هذا الرأي العام الذي تعزلة وتنكر حقه في أن يفهم لماذا فشلت، وما الذي ستفعله كي لا يتكرر هذا الفشل مرة أخرى، هذا الرأي العام نفسه هو الذي تناشده بأن يفعل شيئا لأسراك، وتعترف في نفس الحوار بأنك لا تعرف طريقا لتحريرهم إلا بأن تثور الجماهير .. ما هذه العنجهية (لا مؤاخذة .. فكرت ولم أجد كلمة أخرى) .. الجماهير هي سندك .. وهي أملك .. وهي التي حملتك إلى الحكم من قبل، وتريد منها أن تحملك مرة أخرى إليه، لتنجز مشروعك ومشروعها، وستقدم هذه الجماهير كل ما يحتاجه هذا المشروع – بإذن الله – من تضحيات، حسبة لوجه الله وإبتغاء لمرضاته في الآخرة قبل الذي يكثر الحديث عنه اليوم من نعمه في الدنيا .. هل هذه الجماهير مرمطون عندك؟ عليها أن تتبعك دون أن يكون من حقها أن تحاسبك أو حتى تسألك؟ .. يا سيدي إما أن تستعيدوا ثقة جماهيركم فيكم أو أن هذه الجماهير ستفرز من يحترمها ويثق فيها فتثق فيه .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المقال السابق: الإلتزام