منذ 6 سنة | 1856 مشاهدات
عندما طلب المحاور، وهو صحفي ذكي ومثقف، رأي الدكتور محمود حسين في ما يقال من الإخوان قد بدأوا في التفسخ والذوبان، مستشهدا بأن بعض منظمات الإخوان في عدد من الدول قد أعلنوا إنفصالهم عن التنظيم، أجاب الدكتور بكل حسم أنهم ما زالوا إخوانا، لأنهم مازالوا يعلنون تمسكهم بفكر الإخوان، وأن تركهم للتنظيم لا يعني القول بأنهم لم يعودوا من الإخوان المسلمين.
حسنا .. الإخوان تيار فكري وليس من الضروري أن يترجم الإنتماء له إلى إلتزام تنظيمي، لذلك من الممكن لبعض الإخوان أن ينفصلوا بتنظيمهم المستقل ويظلوا إخوانا .. هذه فكرة مقبولة تماما، ولها مقتضيات سنناقشها بعد قليل، لكننا سنتوقف أولا عند التناقض الذي بدا في كلام الأمين العام عندما تعرض المحاور لما قام به مجموعة من إخوان مصر عندما نظموا أنفسهم وإختاروا قيادات غير تلك التي تعمل في التنظيم الذي يقوده الدكتور محمود حسين والدكتور محمود عزت (التفاصيل غير واضحة وبعض ما يقال محزن بالفعل) فقال الدكتور، بكل الحسم أيضا، أنهم ليسوا من الإخوان .. وعندما قاطعه المحاور بإستغراب: يعني عمرو دراج ليس من الإخوان؟ رد محمود حسين: ما داموا قد نظموا أنفسهم بعيدا عن الإخوان فهم إذن ليسو من الإخوان [!!!!] .. حيرتنا يا دكتور .. هل الإخوان تيار فكري كل من يلتزم به هو من الإخوان، أم أن الإخوان تنظيم كل من ينفصل عنه يكون قد فصل نفسه بنفسه عن الإخوان؟ إما هذه وإما تلك، أو تجدوا لها حل نظريا (وهناك أكثر من حل، المهم أن تحدد ما الذي تريده) تتبنوه وتعلنوه وتتصرفوا على أساسه في كل المواقف، وإلا فسيظل في أقوالكم وأفعالكم قدر لا بأس به من التشوش وعدم الإتساق، والإرتباك الذي بدا في كلام الدكتور محمود حسين في هذه النقطة لم ينتج عن إفتقاره لمهارات التعبير، إنما كان ناتجا عن أن الأفكار نفسها مرتبكة ولا توجد طريقة مباشرة للتعبير الواضح عنها.
لكل قطر ظروفه، والإصرار على الوحدة التنظيمية سيضر بالعمل، بالدعوة وبالسياسة معا، وإطلاق الحرية لكل قطر ليشكل تنظيمه بالطريقة التي يراها الأعضاء أنسب لهم، وأن يحددوا أهدافهم المرحلية وتحالفاتهم المحلية دون أي إنتظار لرأي إخوان مصر، هو مسألة مفيدة ومطلوبة، ومثارة منذ أكثر من ثلاث عقود (أثارها الدكتور حسن الترابي رحمه الله، ورغم إختلافنا مع الكثير من أطروحاته ومواقفه، ففي هذه النقطة بالذات كنا نراه على حق)، ولو أنها تمت بعد تفكير، ونزولا على إحتياجات العمل، لجرت الأمور بسلاسة وتدرج وتوافق، بحيث تظهر فورا أشكال بديلة للتعاون والتنسيق بدون الإرتباط التنظيمي، ولكان الإخوان قد عملوا أولا، وقبل إعلان الإنفصال التنظيمي، على تحديد المحاور الأساسية التي تعد هي فكر الإخوان، والخروج عليها يعد تركا للإخوان، وتمييزها عن الإجتهادات الموقفية التي لا يشترط أن يلتزم بها القطر الذي تختلف المواقف فيه .. ليس من الواضح أن هذه الإعتبارات قد روعيت في السيناريو الذي جرت به الإمور، على الأرجح لأن الإنفصال عن التنظيم تم من طرف واحد دون تنسيق أو تشاور.
هذه أزمة يجب الإعتراف بها ومواجهتها بشجاعة وهدوء، لا أن يدفن الأمين العام رأسه في الرمال كما لو كان كل شيء على ما يرام (على الأقل لينفي ما يقال من أن الإنفصال كان بسبب فقدان الثقة في قدرة القيادة المصرية على الحركة في هذه الظروف) .. نحن نتمنى أن تستعيد جماعة الإخوان عافيتها، تضمد جروحها وتعالج القصور في تنظيمها والثغرات في خطابها، لكن الأماني وحدها لاتكفي إذا تخلفت الشروط الموضوعية، وصدمتنا من كلام الدكتور محمود حسين جاءت مما بدا من عدم إدراكه لهذه الشروط، ولا حول ولا قوة إلا بالله
المقال التالي : أخطاء وأخطاء.