منذ 6 سنة | 2111 مشاهدات
لا أعرف لماذا لا يتصور الكثيرون إمكانية الجمع بين الإنتصار للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في مواجهة ما يتعرض له من عسف وقهر وبين محاولة بيان خطورة الأخطاء الفكرية التي وقع فيها وانطوت على مغالطات تاريخية وتخليطات منهجية ستقود إلى إلتباس الأمر على جماهير الحركة الإسلامية وتشوش وعيهم بطبيعة مشاكلنا، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى الفشل في التصدي لها .. نحن ندافع عن حق أبو الفتوح في أن يعبر عن رأيه بحرية، ونعلن في نفس الوقت أن رأيه هذا لا نوافق عليه، والسكوت عنه ضار جدا بقضية أمتنا، نطالب بالإفراج عنه، ونحذر من تصديق كلامه .. فمع عظيم تقديرنا لشخصه وتعاطفنا معه، فإن قضية الوطن لها الأولوية.
عرفت الدكتور أبو الفتوح منذ عام 1974 ضمن مجموعة قليلة العدد من الطلبة الإسلاميين التي كانت نواة لما سمي بعد ذلك بالجماعة الإسلامية لطلاب جامعة القاهرة، نلتقي اسبوعيا بعد صلاة الجمعة خلف الشيخ إبراهيم عزت رحمه اللله، وتستمر مناقشاتنا غالبا إلى أذان العصر، ونختار واحدا من مساجد الجمعية الشرعية لنصلي فيه القيام في رمضان، بالإضافة إلى مشاركتنا في الفعاليات الإسلامية المختلفة في الجامعة (معسكرات، ندوات ومؤتمرات، حفلات إفطار جماعي .. إلخ)، وحتى بعد إنضمامه للإخوان وإنضمامي لحزب العمل ظلت تجمعنا الكثير من المناسبات والمواقف المشتركة للتحالف الإسلامي .. لا أشك في نزاهته وإخلاصه، لكني أختلف معه في تقديره للمواقف وتحليله للمشاكل، وأشكك في قيمة مواقفه العملية وجدواها.
ومن فضلك لا تقل لي أن الرجل إجتهد وللمجتهد أجره وأن أخطأ، هذا صحيح عندما يكون الكلام عن حساب الله للناس، ونرجو أن يوفيه الله أجره ويزيده يوم القيامة، لكننا هنا نتكلم عن مصير الأمة ومصالحها في هذه الحياة الدنيا .. عن هؤلاء الذين يرون الخطأ ويدركون تداعياته .. واجبنا هو أن نوضح وننبه حتى لا يشيع الخطأ ويترسخ، وهذا إمامنا الجليل محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه يؤلف "إختلاف مالك"، مع أن مالكا هو شيخ الشافعي الذي لازمه عشرين عاما وأخذ عنه جل علمه، وهذا إبن القيم، حامل علم إبن تيمية رضي الله عنه وأهم تلاميذه، يقول أن شيخ الإسلام حبيب إلينا لكن الحق أحب، وأنا أقول أن عبد المنعم أبو الفتوح قريب إلى قلبي (وأقدر جدا مواهبه الكاريزمية وقدراته الحركية)، وقد دافعت عنه يوم صدر قرار فصله من الإخوان، بطريقة أغضبت مني بعض من أحب منهم، وكتبت أقول أن الإخوان قرروا ألا يقدموا مرشحا منهم، لكن ليس من الحكمة أن يفصلوا واحد من أهم قياداتهم (الذي لقبه البعض بالمؤسس الثاني للجماعة) لمجرد أن له إجتهاد مختلف، يمكنهم أن يعلنوا عدم موافقتهم على ما أقدم عليه، وأن يفصلوه من مواقعه القيادية فيظل عضوا عاديا لا تأثير له، لكن عليهم أن يتحسبوا لإحتمال ألا يترشح للرئاسة أي مرشح يمكن أن يتعاطف معه الإسلاميين، فحينها ربما حملته أصواتهم إلى سدة الرئاسة (وهو الأمر الذي كان له أكبر الإحتمالات لو لم يرشحوا محمد مرسي)، فماذا هم فاعلون؟ .. أنا إذن من المعجبين بالمواهب القيادية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وبقدرته على المناورة الحركية، لكن القدرة على المناورة وتحريك القوات شيء مختلف عن القدرة على تحديد العدو وإتخاذ قرار الحرب وتوقيتها، لذلك تضع كل الدول القائد السياسي المنتخب فوق القائد العسكري المنضبط.
ولا أتفق مع من يقولون أن هذا ليس وقته والرجل في قبضة النظام ومعرض للتنكيل، بالعكس، هذا هو وقته بالضبط، فتعرضه للتنكيل يوحي للكثيرين أنه كان يتخذ الموقف الصحيح في مواجهة الديكتاتورية الفاشلة لذلك اعتقلته، وربما أدى بهم هذا التصور إلى تبني موقفه، وفي هذا خطورة على فهم الناس لطبيعة المرض الذي يعاني منه الوطن، وإذا أخطأنا التشخيص فلن نستطيع معرفة الدواء.
نحن ضد منع أي سياسي من التعبير عن رايه والعمل على ترويجه وإقناع الناس به وجمعهم حوله، ووظيفة المعارض هي أن يقنع الشعب بأنه أفضل من الحاكم، وأن يكشف كل نقاط الضعف ومواضع العجز والفشل، وهذا مفيد لحيوية النظام السياسي وقدرته على تصحيح أخطائه وإفراز أفضل عناصره وتقديمهم للقيادة، وإذا كنا ندافع عن حق الشيوعيين في العمل السياسي طالما التزموا بالطريق الديمقراطي للتغيير، فمن غير المعقول أن يكون خلافنا مع الدكتور عبد المنعم معناه أننا نوافق على كبته وإقصائه .. إقرأوا إعتراضاتنا على كلامه، وناقشوا هذه الإعتراضات، ثم دافعوا عن حقه في أن يتكلم، وعن حقنا في أن نرد عليه.
سنعود لإستكمال باقي ملاحظاتنا على حديث الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إلى قناة الجزيرة في مقالات تالية بإذن الله، والله هو الهادي إلى الحق وسواء السبيل.