مجرد وجود تهمة بهذا الإسم هو أمر يدعو للإستغراب.

          من الطبيعي أن تتملك نظامنا، شأن أي نظام عسكري إستبدادي، الرغبة في تحجيم المعارضة وقمعها، لكن الدكتاتوريات غالبا ما تتحلى بالحد الأدنى من الذكاء، فهي عندما تريد أن تعتقل بعض معارضيها توجه لهم تهم لها معنى، تهم تمثل جرائم حقيقية تستحق العقاب، ثم تشغل نفسها بتزوير الأدلة وتدبير الشهود، وقد كان نظامنا الحالي يتمتع بهذا الحد في البداية، فأنت لا تستطيع أن تعترض على عقاب من يتجسس أو يهرب من السجن أو يقوم بعمليات الإغتيال، وهي نوعية التهم التي وجهت للرئيس مرسي مثلا، فالجدل لا يدور حول ما إذا كانت هذه تهم تستحق المحاكمة أم لا، وينصب إعتراض أنصاره على أنه لم يقم بأي أفعال من تلك المنسوبة له .. حكاية إتهام الناس ببث مناخ تشاؤمي تثير عندي إحساس بعبثية التهمة نفسها، حتى لو ثبت بأدلة قاطعة أنهم قاموا بذلك .. حقهم.

          ما معنى بث مناخ تشاؤمي؟ .. مهما حاولت البحث عن الأفعال التي يمكن إدراجها تحت هذا المسمى فلن تجد أنها تخرج عن التشكيك في كفاءة الحكومة أو في نجاعة سياساتها وقدرتها على حل مشاكل الجماهير، ودفع الناس لعدم الثقة في هذه الحكومة وتحريضهم على تغييرها .. حسنا .. ماذا تفعل المعارضة في كل مكان في العالم إلا الطعن في كفاءة الحكومة ودعوة الناس لعدم الثقة فيها وإستبدالها بحكومة أخرى (ستشكلها المعارضة بالطبع)؟ .. هل للمعارضة معنى آخر؟ .. هل تريد من المعارض أن يعلن إرتياحه لما تقوم به الحكومة وثقته في قدرتها على القيادة؟ .. لماذا يعارضها إذن؟ .. وما الفرق بين المعارضة والموالاة؟ .. عجيب !!!!

          في كل برلمانات العالم توجد ممارسة إسمها طلب سحب الثقة من الحكومة أو أحد وزرائها، ما معنى هذا الطلب وماذا يمكن أن تكون حيثياته إلا التشكيك في كفاءة الحكومة والزعم بأن المسار الذي تتخذه سيؤدي إلى عواقب وخيمة ونتائج سلبية؟ .. إن هذا هو بالضبط محاولة لبث روح التشاؤم إذا لم يحدث تغيير، وتجريم هذه المحاولة يعني ببساطة أن النظام قد أعلن تجريم المعارضة من حيث المبدأ .. كل من يعلن أن النظام الحالي يفتقر إلى الحد الأدنى من ضمانات الممارسة الديمقراطية، أو  أن قناة السويس قد إبتلعت المليارات ولن تعيدها (لن تعيد رأس المال، ولا نتكلم هنا عن أرباح)، أو يتشكك في إمكانية إستصلاح أراضي جديدة في ظل عجزنا عن ري الأراضي الحالية، أو يقول أن مصر لا تحتاج لعاصمة جديدة، وأن توجيه الإستثمارات لهذا المشروع عديم الجدوى معناه سحبها من المشروعات ذات الجدوى، أو يعلن عن تخوفه من أي قرار آخر يرى أنه اتخذ على عجل بدون دراسه، كل من يتهور ويعلن مثل هذه الأفكار سيواجهه هذا الإتهام العجيب .. أستر با رب.