منذ 6 سنة | 1861 مشاهدات
تحضرني الآن بشدة صورة الحكم في العصر المملوكي.
بدأ المماليك كسلاطين مجاهدين، مقاتلون أشداء شديدو التدين، يحترمون الشريعة ويحيطون أنفسهم بكوكبة من أهل العلم، ولا يقدمون على اتخاذ أي قرار مهم إلا بعد الحصول على فتوى من أكابر العلماء، ليست هذه – للأسف - هي الصورة التي تلح على ذهني الآن، فبعد إنقضاء العصر الأول، عصر المماليك العظام سيف الدين قطز والظاهر بيبرس وقلاوون والناصر بن قلاوون، الذين كان لهم شرف تصفية الوجود الصليبي في المنطقة ووقف الزحف المغولي وطرده من الشام، تحول المماليك إلى مجرد طبقة عسكرية حاكمة تحتكر القوة، فلم يكن من حق أي مصري أن يحمل سلاحا أكبر من سكين المطبخ أو ساطور الجزار، بإستثناء الفؤوس والكواريك وأدوات الزراعة، ويتولى الحكم أقوى المماليك، ولم يكن المملوك يثبت قوته من خلال التفاوض أو التشاور، فقد كان غالبا ما يقوم بقطع رأس السلطان ويصعد بها إلى القلعة معلقة على طرف رمحه، فيصبح هو السلطان، ومن النادر أن ينتهي حكمه إلا بنفس الطريقة التي بدأ بها، يثب عليه مملوك آخر ويحمل رأسه إلى القلعة، كانت هذه هي الطريقة الأشهر لإنتقال السلطة، مرات قليلة فقط خلال حوالي ثلاثة قرون تمكن واحد من هؤلاء المماليك السلاطين من أن يموت ميتة طبيعية، أو أن يصل خلفه إلى السلطة بطريقة سلمية .. فالطريقة المعترف بها هي: إذا لم تقطع رأس الحاكم فلن يمكنك أن تحل محله .. لا توجد طريقة أخرى .. أما سائر الناس من غير المماليك فلم يكن لهم أي دور في اختيار الحكام، وكان من هؤلاء الناس الذين تم استبعادهم من عملية الإختيار هم كل العلماء وأهل الرأي والأعيان والوجهاء والتجار، ناهيك طبعا عن الحرفيين والفلاحين .. تولي السلطة كان شأنا خاصا تقرره مجموعة المماليك فيما بينهم، وبالقوة .. القوة وحدها ولا شيء غيرها.
ترى هل أنا في حاجة لذكر الأسباب التي استدعت هذه الصورة إلى ذهني هذه الأيام؟