منذ 6 سنة | 1469 مشاهدات
يلح علي هذا السؤال: ما الذي دفعهم للتصرف بهذا العنف مع رجل المفروض أنه أحد رموزهم رغم أنهم يعلمون قطعا أن اعتقالة لابد أن يهز صورة السيسي داخليا وخارجيا ويثير العديد من ردود الفعل السلبية؟ .. الرجل قال في بيانه بكل وضوح أنه لن يرشح نفسه فعلا إلا بعد إتخاذ إجراءات لابد منها، والمعنى واضح تماما، سيقدم، وربما كان قد قدم فعلا، طلبا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يستأذنه في الترشح، هو في بيانه يعلن فقط عن نيته، وكان يمكن للمجلس أن يرفض طلبه وينتهي الأمر .. صحيح أن هذا الرفض كان سيتعرض، على الأرجح، للنقد، فلا يمكنك أن تتصور له مبررا منطقيا، لا يمكن أن يقولوا مثلا أن الجيش في حاجة لخدماته الآن، أو أنهم يفضلون أن يبقى تحت الطلب لعلهم يحتاجونه في المستقبل، فرئاسة الأركان ليست أهم من رئاسة الدولة إذا نجح، وإذا لم ينجح فسيظل متاحا للإستدعاء .. ومع ذلك فمهما كان ضرر هذه الانتقادات فهي لا شك أقل من ضرر إعتقاله.. لماذا إذن؟
بدا لي للوهلة الأولى أنه قرار إنفعالي يعبر عن توتر شديد منعهم من تقدير العواقب، لكن بعد إمعان تفكير وجدته قرارا سليما وصائبا من وجهة نظر السيسي والنظام.
لقد اعتقلوه صباح اليوم الثالث لفتح باب الترشح، ولو أنهم بدلا من ذلك أعلنوه برفض ترشحه لكان أمامه ثمانية أيام كاملة يتظلم فيها من هذا القرار، يفند أسبابهم ويجادل ويلح ويجأر بالشكوى من القرار الظالم غير المبرر، وخلال هذه المدة سيظل الباب مفتوحا لحملته ولمعاونيه وأنصاره للترويج لبرنامجه الإنتخابي ونقد أداء السيسي خلال الفترة السابقة، ليمارسوا ضغطا على المجلس ليعدل عن قراره، وليحاولوا خلق زخما شعبيا وتأييدا دوليا يطالب بالسماح له بالمنافسة، وهذه الحملة، حتى لو ركب المجلس رأسه ورفض الاستجابة لها، ستسبب إحراجا شديدا للنظام وتؤدي إلى تعريته أمام الجميع وتصيبه بجراح لن يتمكن الإعلام من علاجها.
سيعيد عنان فتح باب المناقشة حول تيران وصنافير، ويشرح الإجراءات التي يمكن إتخاذها لاسترداد الجزيرتين نظرا لأهميتهما الكبيرة للأمن القومي المصري، وباعتباره رئيسا سابقا لأركان القوات المسلحة فلابد أن لديه الكثير مما يقال في هذا الصدد وتتوافر له مصداقية عالية، كما أشار إلى أنه يعارض إنشغال القوات المسلحة بغير مهمتها الأصلية، وهذا يضرب في الصميم كل ما يقدمونه من تبريرات لتوسع القوات المسلحة في إدارة أنشطة إقتصادية الأصل فيها أن تترك للقطاع المدني الخاص والعام، وسيعيد الدكتور حازم حسني طرح اعتراضاته على مجمل السياسات الإقتصادية ويوضح نتائجها السلبية، وهو أستاذ ليبرالي في كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، لكلامه مصداقية علمية بالغة عندما يقول أن هذه السياسات ليست قرارات إصلاح شجاعة، وإنما هي قرارات ضارة متهورة تصب في صالح الشركات الأجنبية على حساب مصالح الإقتصاد القومي، ولم تصل أثارها السلبية إلى منتهاها بعد، وسيكرر إنتقاداته لمشروع تفريعة قناة السويس، ويتساءل عن الإستثمارات المليارية التي أعلنوا عنها في المؤتمر الإقتصادي ولماذا لم يصل منها شيء، وعن مصادر المياة التي سيستصلحون بها ملايين الفدادين الموعودة بينما لا نجد ما يروي المساحات المزروعة فعلا، وسنتمكن معه من فتح باب المناقشة حول العاصمة الجديدة وإفتقادها لأي مبرر مفهوم رغم ما تستنزفه من مواردنا المحدودة، وسيشجع هذا الكثير من المتخصصين على طرح ما لديهم للمطالبة بوقف الإنفاق على هذا المشروع العبثي غير المبرر من وجهة نظر التخطيط الإقليمي والعمراني، محذرين من أن تجاهل آراءهم سيقود إلى حالة فشل وإهدار للموارد تتجاوز أضعاف ما أهدر على تفريعة قناة السويس، وربما سمحت هذه المناقشات بطرح البدائل التي يعرفها أغلب المتخصصين في التنمية والذين لا يجدون الآن مجالا لطرح أفكارهم في ظروف التعتيم الإعلامي الراهن.
ومع حازم حسني سيبدأ المستشار هشام جنينة في الحديث عن أهمية إعادة المحاكمات وفي الإشارة إلى جوانب عديدة للفساد يعرفها جيدا والتي أقيل من منصبه لأنه اشار إليها إشارة مقتضبة .. ثمانية أيام كاملة ستكون كافية لإثارة قضايا عديدة أمام الشعب المصري تفتح أعينه على حقيقة أن معاناته ليست مؤقتة، وأنها لم تنتج عن قرارات إصلاح شجاعة ستؤتي ثمارها بعد حين، لكنها بسبب إتخاذ قرارات خاطئة وتجاهل أغلب الآراء المخلصة لعلماء متخصصين .. هذا باب لا يمكن السماح بفتحه مهما كان الثمن .. هذا سبب كاف لاعتقال الرجل وإسكات هذه الأصوات .. مهما كان رأينا في سامي عنان شخصيا فإن حملته الإنتخابية كانت ستفتح عيون المصريين على أمور لا ينبغي أن يعرفوها، وإذا عرفوها فلن ينسوها .. هل هذا تفسير معقول لتصرف يبدو غير معقول؟