منذ 7 سنة | 1511 مشاهدات
أقصد الشجون التي يثيرها فينا ذكر إسم "حزب الله" اللبناني: ذكريات الفرحة بأول نصر عربي حقيقي على إسرائيل سنة 2000، عندما أجبرها على الانسحاب من الأراضي اللبنانية بدون قيد أو شرط (كنا قد أدركنا أن عظمة حربنا في أكتوبر هي أنها انتهت بالتعادل وليس بالهزيمة ككل المرات السابقة، وأن السادات قد حول هذا التعادل إلى هزيمة بالنقاط في كامب ديفد)، ثم خروجنا في 2006 نحمل صور حسن نصر الله دعما للمقاومة اللبنانية في وجه الاجتياح الإسرائيلي، وسعادتنا بالنتيجة التي انتهت إليها المعارك، وآمالنا العريضة في أن تبدأ صحوة العالم الإسلامي من جنوب لبنان وقطاع غزة، ثم خيبة أملنا في حزب الله بعد موقفه المخزي من الثورة السورية، وتحول خيبة الأمل إلى غضب شديد بعد أن تأكدنا من الوجه الطائفي لهذا الحزب.
كنا في البداية نسمع أصواتا خافتة تنقل أنباء وجود أعداد من مقاتلي حزب الله في صفوف جيش بشار الأسد، وفي هذه الفترة، أواخر 2011 أو أوائل 2012، زارنا وفد من حزب الله في حزب العمل الجديد، وحضرت اللقاء بصفتي عضوا في المكتب السياسي، وبعد كلمات الترحيب والمجاملة تكلم الوفد كلاما كثيرا دون أن يتطرق إلى الوضع في سوريا، وعندما جاء دوري في الكلام قلت أننا نكن مودة وتقدير لحزب الله لمواقفه المقاومة، لكننا في مصر نشعر بالقلق مما يتردد من أنباء وقوف حزب الله في مواجهة ثورة الشهب السوري التي نتعاطف معها إلى آخر مدى، ونرجو أن تكون هذه الأنباء مجرد شائعات، ونريد أن نسمع منهم الحقائق .. أجابوا بكلام مائع عن دور النظام السوري في دعم المقاومة وحاجتهم لهذا الدعم .. كتمت غيظي وحاولت أن أبدو هادئا وأنا أرد بأن دعم النظام للمقاومة لا يبرر أن ندعمه في قمع شعبه، ثم من قال أن الشعب السوري إذا نجح في إزاحة الطاغية وبناء نظام يعبر عن إرادته الحرة لن يدعم المقاومة بأكثر مما يدعمها بشار الأسد، وربما لم يكتف بالدعم وتحرك معها لتحرير الجولان المحتلة .. أجابوا بكلام يحمل في طياته تلميحات سمجة بأن الحراك السوري تدفعه قوى أجنبية تتصادم مصالحها مع أماني شعوب المنطقة .. ياللهول، هذا هو نفس ما كان يقال عنا ونحن في التحرير .. كدت أنفجر فيهم غاضبا لولا أن مدير الحوار، الأستاذ مجدي حسين – فك الله أسره – تدخل لتهدئة الموقف والانتقال إلى موضوع آخر .. خرجت من الاجتماع بصدمة كبيرة، فلم يعد الأمر أمر شائعات، لقد تحول الحزب المقاوم لإسرائيل إلى أحد أدوات قمع ثورة الشعب السوري .. يحتاج فهم هذا الموقف إلى تفكير عميق.
بعدها بعدة شهور استمعت إلى خطاب للسيد حسن نصر الله يؤكد فيه أنه من المؤمنين بولاية الفقيه ويفخر بذلك، ولمن لا يعرف ما هي ولاية الفقيه نقول أنها نظرية الخوميني التي تقول أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية هو نائب للإمام الثاني عشر المعصوم إلى أن يخرج من سردابه الذي دخله في سامراء في القرن الثالث الهجري، والذي ينتظره الشيعة الإمامية الإثنى عشرية من وقتها كي يعود ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما، والمؤمنون بولاية الفقيه ينظرون لنائب الإمام المعصوم كما ينظر المسلمون السنة إلى خليفة رسول الله (ص) .. هذا الكلام معناه أن حزب الله وأنصاره هم في الواقع جزء من الجموع التي تتحرك بتوجيه من مرشد الثورة الإيرانية ويعدون جزءا من رصيده في تنفيذ سياساته.
وقد أوضحت رأيي في السياسة الإيرانية في مقال "ماذا حدث لثورة إيران الإسلامية" وأنها أصبحت قوة هيمنة إقليمية تستخدم تجمعات الشيعة في الدول العربية في تنفيذ استراتيجيتها للسيطرة على المنطقة، وينبغي لفهم مواقف حزب الله أن نضعها في إطار هذه الإسترتيجية.
في الأيام الأخيرة تحدث حسن نصر الله بعد اختطاف سعد الحريري في السعودية، وتضمن حديثه تهديدا قويا وصريحا لإسرائيل بأن المعركة القادمة ستكون على الأرض الفلسطينية، وهذا الرجل يتسم بالجدية والإدراك السليم للواقع ولموازين القوى، ويجيد التخطيط والتنفيذ، ولم يسبق له أن قال كلاما لمجرد التهويش .. لو سمعت منه هذا الكلام قبل ثورة الشعب السوري لقفزت في مكاني فرحا، ولحملت صورته وخرجت بها إلى الشارع أعلن تأييدي له، لكني اليوم أشعر بالارتباك والتردد، فحزب الله لا يعمل لتنفيذ أجندة عربية كما كان يعلن من قبل، حركته الآن هي جزء من الاستراتيجية الإيرانية، وهي استراتيجية إلحاق لا توحيد (لا مانع عندي من توحيد العالم الإسلامي تحت قيادة القطر الذي يملك القدرة على هذا التوحيد، أما الإلحاق فهو علاقة أقرب إلى الإستعمار منها إلى الوحدة، ولا علاقة عندي للبعد العقائدي في رفض الهيمنة الإيرانية، فسأرفض بنفس الدرجة الهيمنة السعودية أو التركية أو الماليزية، مع أني أقبل بالتأكيد الوحدة إذا قادها أي منهم)، وأنا أعرف أن إسرائيل هي المنافس الإقليمي الأكبر، وربما الوحيد، أمام هيمنة إيران على المنطقة، كما كانت في يوم من الأيام العقبة الرئيسية أمام مصر لقيادة العرب إلى الوحدة العربية، ولن تتمكن إيران من السيطرة الحقيقية إلا إذا أزاحت إسرائيل من طريقها أو حجمتها تماما، وإسرائيل لا يمكن أن تقبل بالتحجيم، فهو طريقها للفناء، كلام حسن نصر الله إذن يعني أن إيران تضع الحرب مع إسرائيل على أجندتها الحالية (بغض النظر عن من منهما الذي يريدها) .. هل يمكن أن أسمح لنفسي بالوقوف موقفا سلبيا من الصراع الإيراني الإسرائيلي؟ .. هل يمكن أن أتعامل مع حرب ممكنة بين إسرائيل وإيران كأنها الحرب بين إنجلترا وألمانيا في العلمين، كلاهما يريد احتلال مصر، حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل؟ .. وجداني لا يسمح لي، وعقلي يقول أن إنتصار إسرائيل على إيران سيكون كارثة علينا، أما إنتصار إيران فمهما كانت سلبياته بالنسبة لنا فيمكننا التعامل معه والاستفادة منه على المدى الطويل إذا عملنا بجدية وخططنا بعقل، مستحضرا في ذهني الفرق بين الفاطميين والصليبيين وخبرة المنطقة مع كل منهما .. أما لساني فيقول أني في الحقيقة لا أعرف الموقف الصحيح، وعلى أي حال فقد أصبحنا – للأسف - قوة هامشية لا تأثير لموقفها على مجريات الأحداث.