منذ 7 سنة | 1412 مشاهدات
في أعقاب انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 وعودة الخميني إلى طهران ليتسلم زمام القيادة، لم ألتق بواحد من الإسلاميين لم يبد فرحا، أو على الأقل إرتياحا، لهذا الحدث، ولم نلق بالا إلى الطبيعية الطائفية - التي لم تكن بارزة - لهذه الثورة، فقد كانت قياداتها تعلن في مناسبات عديدة رغبتها في التقارب مع العالم السني، وتطالب أنصارها بوقف الممارسات التي تستفزنا، خاصة سب الشيخين أبي بكر وعمر (رض)، كما تعلن عدائها للكيان الصهيوني، ودعمها الكامل لفصائل المقاومة الفلسطينية، والإسلامية منها على وجه الخصوص، وهو موقف ينبغي تقديره وتشجيعه، في ظل تخلي كل الدول العربية عن دعم المقاومة واتجاهها للتصالح مع الكيان الصهيوني.
ولقد بلور أستاذي وصديقي الراحل عادل حسين رحمه الله في الثمانينات موقفا واضحا ومتكاملا من الثورة الإيرانية، أسسه على أن هيمنة الحلف الصهيوأمريكي على منطقتنا هو العامل الأول في عرقلة نهضة العالم الإسلامي وقمع كل حركات الإحياء والتحرر، وبناء عليه فإن كل من يقف في وجه الهيمنة الأمريكية فهو يقف معنا في جهادنا للإنعتاق منها وبناء نظمنا المستقلة التي تعتمد على المرجعية الإسلامية لإنجاز نهضة حقيقية، وإذا كنا نستبشر خيرا بصعود الكونفوشيوسية في شرق آسيا لأنها تقف ضد محاولات أمريكا وأوروبا لتغريب العالم ومحو كل الهويات الثقافية، فإن إيران أقرب لنا من الصين، والتشيع أقرب لنا من الكونفوشيوسية .. وما زلت أرى أن هذا كان هو الموقف الصحيح في وقته.
ثم جاء موقف النظام الإيراني من الغزو الأمريكي للعراق، وتعاونه مع الاحتلال في ضرب المقاومة السنية لإقامة نظام يسيطر عليه شيعة العراق، وموافقته الضمنية على انفصال الأكراد، ليزعزع إلى حد بعيد ثقتنا في نوايا هذا النظام، أما عندما وقف إلى جوار بشار الأسد في مواجهة ثورة الشعب السوري فقد انتهت هذه الثقة تماما.
لا يمكن أبدا أن تجد مبررا محترما لتأييد إيران لنظام بشار الأسد، فالنصيرية، الطائفة التي ينتمي إليها بشار وأغلب أقطاب حزبه، لم تكن تلقى قبولا من القيادات الدينية للشيعة الجعفرية الإثنى عشرية في إيران، وبشار نفسه هو وحزبه علمانيون أقحاح، ليست لهم أية توجهات دينية، لا نصيرية ولا غيرها، ولا يوجد ساذج يصدق حكاية الممانعة والعداء للغرب وإسرائيل التي يتشدق بها النظام السوري، فكل العقلاء يعرفون أنها مجرد غطاء لنظام قمعي يعادي شعبه، ولا فرق بينه وبين الشاة الذي قامت عليه الثورة في إيران، وزاد وغطى على كل ذلك أن الداعم الأول لبشار صار هو روسيا التي لا يمكن النظر إليها أية نظرة إيجابية في ما يتعلق بمستقبل شعوبنا.
النظام الإيراني الآن لم يعد إلا نظاما توسعيا يريد إنشاء قوة هيمنة إقليمية تعادي رغبات شعوب المنطقة في التحرر وبناء نهضتها المستقلة، ويتعاون في سبيل بسط نفوذه مع أعدائنا التقليديين، أمريكا وروسيا، وسواء كان هذا النظام يستغل الأقليات الشيعية في دول المنطقة مجرد استغلال براجماتي نفعي لتساعده على بسط نفوذه، أم كان يعمل من منطلقات عقائدية على نشر التشيع ذاته، فإن النتيجة واحدة: هذا نظام يعمل على نشر الطائفية ويهدف إلى بسط نفوذه على منطقتنا .. لم يعد نظام إيران "الإسلامي" [![ قوة نتحالف معها ضد أعدائنا، لكنه أصبح بكل وضوح وبدون أي لف أو دوران عدوا يعمل على عرقلة استقلالنا ونهضتنا .. قد يكون هذا تحولا طرأ على حكام إيران، أو يكون هو جوهر حركتهم منذ البداية لكنهم عمدوا إلى تغطيته والتمويه عليه في مراحل ضعفهم الأولى .. لا يهم الآن .. المهم أنهم وضعوا إيران في النهاية في وضع العدو لشعوبنا، والموقف الوطني والإسلامي الوحيد المقبول هو مواجهتها، ومن يهادنها، ناهيك عن أن يتعاون معها، فهو خائن لقضية الوطن ولقضية الإسلام معا.