وللسلفيين أيضا حقوق

منذ 6 سنة | 1079 مشاهدات

بالإضافة إلى ما ذكرناه في مقالاتنا السابقة، تنص المادة 64 من دستور العسكر على: "حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون." فكيف يفرض علينا قانون عدلي عطعوط ألا نتعلم ديننا إلا من أزهري، وألا نصلي الجمعة إلا خلف أزهري؟ .. والأسوأ هو أن يكون هذا الأزهري موظفا يتلقى تعليمات تحدد له موضوع الخطبة وما يقول وما لا يقول، فيلقيها بلا روح ولا حماسة، وإن رفع عقيرته أحيانا ليبدو كما لو كان منفعلا بما يقول .. لكن هذه ليست القضية الأساسية في هذا المقال.

          يفترض أغلب الناس أن مدرسة الأزهر الفكرية تحظى بقبول كل المسلمين، وهذا ليس صحيحا، فخريج الأزهر يلتزم بواحد من المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة، وليست هذه هي كل المذاهب الفقهية المعتبرة عند المسلمين، والأزهر لا يدرس إلا المذهب الأشعري في فهم العقائد، وليست هذه هي الطريقة الوحيدة التي يفهم بها كل المسلمين عقائدهم، شخصيا ليست لدي مشكلة في ذلك، فأنا شافعي المذهب، وأفهم العقائد كفهم الأشاعرة عدا بعض المسائل القليلة التي لا أرتاح لفهمهم فيها، لكن ماذا عن المسلمين الذين يرفضون إتباع أي من المذاهب الأربعة ويفهمون العقائد فهما يختلف مع فهم الأشاعرة؟

          خذ مثلا السلفيين (ودع عنك السمعة السيئة التي لصقت بأغلب مشاهيرهم، فهؤلاء أمنجية يستغلون الإتجاه السلفي، نحن نتكلم عن السلفيين المخلصين وهم ليسو قليلين والحمد لله) إنهم لا يعترفون بالتمذهب من الأصل، ويتبعون اجتهادات علمائهم، أليسو أحرارا في ذلك؟ .. بأي حق تحرمهم من اختيار القيادات التي يتعلمون منها الإسلام حسب فهمهم المعترف به كأحد مذاهب أهل السنة (وإن كانوا هم يرفضون اعتبار أنفسهم مذهبا) وقد سمح دستورك بذلك لكل الطوائف من أهل الكتاب؟ .. والسلفيون لا يفهمون العقائد طبقا لفهم الأشاعرة، بل يجدونه فهما خاطئا يخالف ما كان عليه السلف، ويتبعون في فهم العقائد مدرسة أخرى ربما كان أشهر أعلامها هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وهو إمام معتبر لا يجوز الإنكار على من اتبعه حتى لو اختلفنا معه، فكيف نصر على ألا يتلقوا علوم الشريعة إلا عن أزهري يعلمهم العقائد بطريقة لا يوافقون عليها؟

          لا يمكنك أن تقول أن السلفيين أخطأوا عندما خالفوا ما يدرسه الأزهر وتبني على ذلك أنه لا بأس من منعهم من تعلم هذا الخطأ، نحن المسلمون أمرنا ديننا أن نتسامح مع من نعتبرهم أفحش خطأ بما لا يقارن به السلفيون، نحن نجادل بالتي أحسن من يقول أن الله ثالث ثلاثة، أو أن المسيح هو الله - تعالى الله عما يقولون - وندعهم يعلمون من ينتسبون إليهم الطريقة التي يعبدون بها الثالوث أو يدعون بها السيد المسيح ليقضي حوائجهم .. فكيف نتصور أننا يمكن أن نحظر مذهبا يخالف مذهبنا ونمنع علمائه من تعليم الناس؟

          نحن نفخر بأن التاريخ يشهد بأن ديننا كان على الدوام هو أكثر الأديان تسامحا مع المخالفين وقبولا للتعددية الفكرية في إطار الإسلام نفسه، والمرة الوحيدة التي حاول فيها أحد الخلفاء فرض رأيه في مسألة معينة إنتهت بإدانته إدانة كاملة، فعندما تبنى الخليفة المأمون بن هارون الرشيد فكرة المعتزلة في خلق القرآن وحاول فرضها على كل العماء سقط من تاريخنا الفكري، رغم كل إنجازاته الحضارية والثقافية والسياسية الضخمة، وأصبح الإمام الذي وقف في وجهه، الإمام أحمد بن حنبل، بطلا شعبيا بالإضافة لكونه إماما جليلا.

          يتصور بعض الناس أن هذه الإجراءات التي تسلب المسلمين حقهم الشرعي والإنساني والدستوري في حرية ممارسة شعائرهم الدينية ليسن إلا جزءا من صراع الإنقلاب والإخوان .. هذا تبسيط مخل للقضية ويحتاج لمقال آخر.

         

شارك المقال