كنائسنا في دستورهم

منذ 6 سنة | 1139 مشاهدات

أشرنا في المقال السابق إلى المبدأ الإسلامي الذي أكده دستور العسكر في مادته الثالثة التي ترسخ حق المسيحيين واليهود في اختيار قياداتهم الدينية طبقا لشرائعهم، وقد أصبح هذا الآن، بالاضافة إلى أنه حق تكفله الشريعة الإسلامية، حقا دستوريا لهم، فلا يستطيع البرلمان أن يصدر قانونا يعطي الحق لأي جهة حكومية مهما كان وضعها في هرم السلطة أن تتدخل في الأسلوب الذي يتم به اختيار القيادات الدينية لغير المسلمين، لا يمكن لأحد أن يلزمهم بالحصول على ترخيص من أي جهة حتى يمكنهم قيادة الشعائر الدينية، أو أن يلزم المسيحيين مثلا بألا يقيم القداس ويلقي الموعظة إلا شخص حصل على مؤهلات معينة، فهذا شأنهم، كل طائفة تحدد لها شريعتها كيف تختار، وأبناء الطائفة وحدهم هم الذين يقررون ما هي شرائعهم التي تنظم هذا الاختيار، وما هي الصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يختارونه.

          وفي نفس الوقت تنص المادة 53 من دستورهم على أن: "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متسـاوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى االجتماعى، أو الإنتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض." .. هذه المادة لا تسمح للسلطة التشريعية أن تفرق في القيود والإجراءات التي تتعامل بها السلطة مع المواطنين بسبب دينهم، فأي قانون يسن، أو إجراء يتبع من قبل السلطة التنفيذية، ينبغي أن يتساوى أمامها الجميع مهما اختلفت دياناتهم، وما دام الدستور ينص على حرية المسيحيين واليهود في اختيار قياداتهم الدينية، فلا يجوز للحكومة إذن أن تتدخل في اختيار القيادات الدينية للمسلمين، وإلا كان في ذلك تفرقة بين المواطنين على أساس الدين، وعلى الأخص إذا كان هذا التدخل يسلب المسلمين حقا أقرته لهم شريعتهم، هو حق المصلين في اختيار الإمام الذي سيقودهم في الصلاة، وفي اختيار العالم الذي يتعلمون منه دينهم.

          ربما يظن البعض أن الحكومة في مصر تمثل المسلمين لذلك تختار لهم قياداتهم الدينية، وتترك غير المسلمين ليدبروا أمورهم طبقا لشرائعهم، هذا الظن يحوي أكثر من خطأ، فأولا: هذه الحكومة لم تزعم أنها حكومة المسلمين التي تطبق شرائعهم، وثانيا: فإنه حتى الحكومة التي تعلن إلتزامها بتطبيق الشريعة لا تملك حق اختيار القيادات الدينية للمسلمين.

          يتملكك العجب من نظام يعلن رئيسة بمناسبة وبدون مناسبة أنه يرفض قيام حكم إسلامي، وينص دستوره على عدم جواز إنشاء أحزاب إسلامية (أي أنه يرفض بوضوح الدعوة لقيام حكم إسلامي ولو يطريقة ديمقراطية)، ثم يتصرف هذا النظام على أنه يملك السلطة الدينية العليا للمسلمين (مع أنه لا توجد أصلا سلطة دينية في الإسلام) .. ولا أظنني في حاجة للإفاضة في هذه النقطة.

          لكن النقطة الأهم هي أنه حتى الحكومة الإسلامية، عبر تاريخها منذ زمن الخلفاء الراشدين، لم يكن لها أبدا حق تعيين قيادات دينية، ببساطة لأن المسلمين ليس في شريعتهم شيء إسمه قيادات دينية رسمية، كل ما لدينا هم علماء في الشريعة، يصلون إلى درجة الاجتهاد أو لا يصلون، وهؤلاء يحصلون على صفتهم العلمية من خلال اعتراف مجتمع العلماء بهم وليس من خلال اعتراف السلطة، ناهيك عن أن تقوم بتعيينهم .. ولا يوجد في الإسلام ما يلزم المسلم باتباع عالم أو مذهب معين، فهو حر في اختيار العالم الذي يثق في علمه وفي ورعه ليتبعه .. إذا استخدمنا تعبيرات معاصرة فإن اختيار القيادات الدينية في الإسلام (وهو تعبير لا يتسم بالدقة) يتسم بأعلى قدر يمكن تصوره من اللامركزية، كل مجموعة من المسلمين تختار من بينها في أي لحظة من يقودهم في أداء الشعائر، وكل مسلم يختار من يستفتيه في شئون دينه، لا يوجد في ديننا من يعين لنا القيادات، نحن الذين نختار لأنفسنا .. هذه هي شريعتنا، فلماذا المسيحيين واليهود فقط هم الذين يحق لهم اختيار قياداتهم حسب شرائعهم ونحرم نحن من ذات الحق؟  

 

شارك المقال